مغالطات ترامب وتحذير الجمهور
لعل أحد الفخاخ الفكرية التي يقع فيها كثيرون، بما في ذلك الصحفيون، هو محاولة فهم وإدراك السياسة من خلال الروايات الشائعة. فقد كان الرئيس جيرالد فورد لاعب كرة قدم أميركي شهيراً ولكننا أشعنا في وسائل الإعلام رواية عنه مؤداها أنه أخرق، ولذا فكل مرة كان يتعثر فيها يظهر مقطع مصور لهذا في نشرة الأخبار المسائية. وبالمثل، رسمنا في وسائل الإعلام بطريق الخطأ صورة للرئيس جيمي كارتر على أنه سياسي من الوزن الخفيف على رغم علاجه لأصعب التحديات، من التعامل مع الصين إلى إعادة إدارة قناة بنما إلى دولة بنما. وفي عام 2000، رسمنا صورة لآل جور بأنه متكلف وأن لديه ميلاً للمبالغة في تضخيم ذاته، ولم نركز على تصريحات جورج بوش الابن المغلوطة.
وأنا أقدم هذا السجل لأنني أتساءل مرة أخرى عما إذا كانت تغطيتنا الصحفية تعزز هذا الفهم الخاطئ. فقد توصل استطلاع للرأي لشبكة «سي. إن. إن» ومؤسسة «أو. آر. سي» الاقتصادية هذا الشهر إلى أن نسبة أكبر من الناخبين بفارق 15 في المئة يعتقدون أن دونالد ترامب «أكثر أمانة وجدارة بالثقة» من هيلاري كلينتون. ولنكن صرحاء، لنعترف بأن هذا التصور العام يناقض تماماً كل الأدلة الملموسة. وقد أشار موقع «بوليتيفاكت» إلى أن 13 في المئة من تصريحات كلينتون التي تم فحصها صنفت على أنها «خاطئة» أو «كاذبة» مقارنة مع 53 في المئة من تصريحات ترامب. وفي المقابل، يصنف نصف تصريحات كلينتون بأنها «صحيحة» أو «صحيحة غالباً» مقارنة مع 15 في المئة من تصريحات ترامب التي تصنف هكذا. ومن الواضح أن كلينتون تلقي بظلال أحياناً على الحقيقة ولكن لا مقارنة مع ترامب.
ولست متأكداً مما إذا كانت الصحافة تتحمل المسؤولية عما جرى، ولكن هذا يثير القضية الشائكة الخاصة بالمساواة الزائفة التي احتدم الجدل بشأنها وسط الصحفيين في هذه الحملة. والسؤال هنا: هل من سوء الممارسات الصحفية أن نقتبس من كل جانب ونترك الأمر للقراء لأن يصلوا إلى استنتاجاتهم حتى لو كان أحد الجوانب يلفق الحقائق فيما يبدو أو يقدم تعليقات سخيفة؟ أنا أعتقد أن علينا أن ننبه القاعدة الشعبية لأن أحد الجانبين مهرج.
وهناك مخبولون يعتقدون أن الأرض مسطحة ولا ينبغي النقل عنهم دون شرح حقيقة كون وجهات نظرهم مختلة. ونفس الشيء ينطبق على مخبول يعلن أن تغير المناخ حيلة من صنع الصينيين، وقد دعا إلى حظر دخول المسلمين إلى البلاد، وأعلن أنه سيبني جداراً على الحدود تتحمل المكسيك تكلفته. إننا مدينون لقرائنا بأن نشير إلى أننا نكتب عن مخبول. حتى لو كان مرشحاً للرئاسة بل إن الحاجة إلى ذلك تزداد حين يكون مرشحاً رئاسياً. وقد جنحت مناقشات الحملة إلى تصوير كلينتون على أنها مرشحة مراوغة وغير أمينة، ودارت المناقشة بشكل غير متناسب حول هذا الموضوع. صحيح أن كلينتون خادعت وناورت في شرحها لقضية استخدام بريدها الشخصي. ولكن ترامب مهووس بالكذب، وقد غش بشكل منهجي فيما يبدو عملاء جامعة ترامب.
وتمويل كلينتون يمثل حقل ألغام أيضاً وهو ما نعرفه لأنها نشرت إقرارات ضريبية عن 39 عاماً، ولكن ترامب سيكون هو أول مرشح حزب كبير للرئاسة منذ فورد لم ينشر إقراره الضريبي، بل إن فورد نشر ملخصاً لضرائبه. وكل محلل جادّ يعلم أن ترامب يسرف في الكذب حين يعد بأن الجدار الذي يكلف 25 مليار دولار ستدفع المكسيك تكلفته. وهناك قضية المؤسسات. صحيح أن كلينتون وقعت في تعارض مصالح مع مؤسسة كلينتون ولم تكشف بشكل كامل عن المانحين كما وعدت. ولكن مؤسسة ترامب انتهكت القانون صراحة بمساهمتها السياسية. وأنقذت مؤسسة كلينتون حياة أطفال حول العالم من الإيدز وسوء التغذية بينما استخدمت مؤسسة ترامب مواردها لشراء لوحة كبيرة لترامب كهدية للمرشح الجمهوري وهذا قد يخرق قواعد مصلحة الإيرادات الداخلية (الضرائب الأميركية).
أما عن الصحة، فكلا المرشحين ليس صريحاً للغاية فيما يتعلق بحالته الصحية ولكن كلينتون قدمت سجلًا طبياً أكثر تفصيلًا بكثير مقارنة بترامب. وقد صرحت شركة تأمين لصحيفة «واشنطن بوست» بأن احتمال وفاة كلينتون بحلول نهاية فترة ولاية ثانية في منصب الرئاسة تبلغ 5.9 في المئة بينما تبلغ النسبة لدى ترامب 8.4 في المئة. ولذا أتساءل عما إذا كانت المساعي الصحفية في سبيل النزاهة تخاطر بأن تجعل من ترامب شخصاً طبيعياً في حين أنه مرشح غير طبيعي. وتاريخياً، وقع العاملون في وسائل الإعلام أحياناً في فخ الروايات المغلوطة أو المساواة الزائفة، ويجب أن نحاول جاهدين أن نتأكد من عدم حدوث هذا ثانية. ويجب علينا تنبيه الجمهور لأن هناك شيئاً خطأ حين يرى ترامب أكثر أمانة من كلينتون. وأنا شخصياً لم أقابل قط سياسياً قومياً مغلوط المعلومات ومخادعاً ومراوغاً وأجوف مثل ترامب. إنه ليس طبيعياً. وعلينا تنبيه الجمهور لذلك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»