بعد توقف دام ستة أشهر من الحملة الانتخابية، فإن الإنصات لخطاب دونالد ترامب، وردود أفعال الجماهير عليه، يعد تجربة قوية. ورغم أن رسالته لم تختلف كثيراً، فإن مهارات ترامب كمرشح، وقدرته على جذب انتباه جمهوره تحسنت بشكل كبير. وربما يكون الخطاب الذي ألقاه في لاكونيا، في نيو هامبشاير، في 15 سبتمبر، هو الخطاب الثاني عشر الذي أحضره هذا العام، وربما سمعه الصحفيون الذين كانوا يتابعونه طوال الحملة مئات المرات، يوماً بعد يوم. والتعارف الطويل والمستمر يجعل من الصعب ملاحظة أي تغيير، لكن كانت المرة الأخيرة التي استمع فيها إلى ترامب في شهر مارس، في نادي الجولف الذي يمتلكه في فلوريدا، ووجدت أن الفرق بين اليوم وآنذاك لافت. وقد كتبت بعد واحدة من المرات التي ظهر فيها في ولاية ايوا في يناير: «كان هذا واحداً من أسوأ الخطابات السياسية التي سمعتها، فقد ظل ترامب يثرثر لأكثر من ساعة دون أن يكمل جملة واحدة». وبدأ بعض الحاضرين في التململ والتحدث لبعضهم بعضاً، وغادروا القاعة مبكرين. وكان صوت ترامب يعلو وتتغير نغمته، وينتحب ويتذمر بلا داع، وفي لاكونيا، رغم ذلك، كانت كل جملة من جمل ترامب مكتملة، وجيدة وموجزة. لقد قرأت بعض المقالات مؤخراً كانت تناقش أسلوب،ه كما لو أنه لم يتغير، لكني فوجئت بلهجة جديدة، فقد أصاب النقاط التي يريد أن يتحدث عنها، وبلورها بثقة بأقوال مأثورة لا تنسى. وفي إحدى النقاط، قال: «إني لا أترشح لرئاسة العالم، بل لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية». وكانت هذه الجملة مثالية لهذا الحشد بعينه، حيث ردد أنصاره بحماس: «الولايات المتحدة الأميركية»، كما كان ترامب يقابل بالتصفيق في كل مرة يقول فيها، إنه سيعبأ بالأميركيين، ولن يهتم ببقية العالم. وبينما كنا في انتظار أن يبدأ ترامب حديثه، كان رجلان في منتصف العمر يقارنان قبعات البيسبول الخاصة بترامب. وقال أحدهما: «لقد اشتريت هذه مقابل 25 دولاراً، وهي فيتنامية الصنع»، وقال الآخر: «لقد اشتريت اثنتين مقابل 25 دولاراً، وهما صناعة أميركية». وعندما سأل ترامب الحاضرين ما إذا كانوا يتذكرون عندما كان يتم تصنيع المنتجات في الولايات المتحدة الأميركية، لوح بعض الحاضرين، ومن بينهما الرجلان، بقبعاتهما في الهواء. ورغم أن بعض الناس الذين تحدثت إليهم لم يسبق لهم رؤية ترامب، فإنهم كانوا يتجاوبون بشكل غريزي مع الأجزاء من حديثه الرامية إلى استثارة ردود الأفعال. وكان هتاف «شيد هذا الجدار» الذي ردده نحو ألف شخص مثيراً للإعجاب، وإن كان إلى حد ما تقشعر له الأبدان. والإجابات التي تحصل عليها من مؤيديه عن سؤال: لماذا سيصوتون له؟ أصبحت الآن أكثر وضوحاً مما كانت أثناء الانتخابات التمهيدية: أبعدوا «هيلاري الملتوية» وعصابات المخدرات، وهو الموضوع الذي يحظى بشعبية، خاصة في نيو هامبشاير التي تعاني وباء المخدرات،وللتأكيد، فإنه ما زال يثير الكثير من الجدل، فقد أشار في الأسبوع الماضي إلى أن هيلاري هي من أنشأ أسطورة أن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة. وقال إنه يود رؤية حراسها، وهم يلقون السلاح طواعية حتى يتسنى لنا «رؤية ماذا يحدث»! وقد ذكر لي أحد الجمهوريين القريبين من حملة ترامب، والذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أنه رغم كون فريق المرشح لديه 49 موظفاً في عشرة مكاتب في أنحاء نيو هامبشاير، فإنه «طرق أكثر من 50% من الأبواب»، مقارنة بحملة ميت رومني في 2012، ربما كان ترامب يبدو أحمق، ويفتقر إلى الخبرة وغير مهني عندما بدأ حملته، لكنه لم يعد كذلك، لقد تعلم بسرعة، وأصبح الآن سياسياً لامعاً، ولعل هذا هو السبب الذي يجعل بعض المعلقين يتحدثون عن تلطيف شخصيته العامة. إني لم ألحظ شيئاً من هذا: فقد أوصل نفس الرسالة المتشددة والانعزالية والمعادية للمهاجرين، كما كان يفعل من قبل، لكن من دون ارتكاب أي أخطاء تستغلها وسائل الإعلام. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»