ليس المقصود من «خريف الغضب» أساساً كتاب محمد حسنين هيكل ذائع الصيت وما تضمنه من نقد لاذع للسادات، بل هذا الخريف الذي يغضب على العرب ويحاصرهم، وكما نعرف فإن هيكل من عنوان كتابه كان يقصد اندفاع السادات نحو اعتقال معارضيه في سبتمبر 1981، وإلقاء القبض عليهم جميعاً، من ليبراليين وإسلاميين ويساريين، وكل من تجرأ واعترض على ممارسات الرئيس، خاصة فيما يتعلق بعقده معاهدة صلح منفردة مع إسرائيل. استمر خريف الغضب، لكن تغَيَّر اتجاهه في أقل من شهر عندما قام عدد من جنود الجيش المصري باغتيال السادات خلال احتفالات 6 أكتوبر 1981، في الذكرى الثامنة لأهم أعماله، أي حرب أكتوبر 1973. ولأن اليوم 28 سبتمبر، أُذَكِّر القارئ بأن الخريف غضب على العرب مرتين على الأقل في هذا اليوم خلال تاريخهم المعاصر، الأولى في سنة 1961 حين حدث انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة التي جمعتها مع مصر، وذلك عن طريق انقلاب عسكري. في تاريخ الانقلابات العسكرية المتعددة في سوريا (ومنها ثلاثة انقلابات وقعت في عام 1949 وحده)، قد يبدو هذا الحدث غير ذي مغزى، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، إذ أنهى انقلاب عام 1961 ممارسة مهمة كان العرب على مر تاريخهم يُؤمنون بها: «أمة عربية واحدة من الخليج إلى المحيط»، كما كان يتردد في شعاراتهم، وأهم من ذلك تُشير مُذكرات هذه الفترة -بما في ذلك مذكرات رئيس الوزراء السوري صلاح البيطار، وقطب «البعث» أكرم الحوراني، ومحمود رياض (أمين عام الجامعة العربية الذي كان سفيراً لمصر في سوريا)- إلى أن السوريين هم مَن طلبوا وأصروا على الوحدة، وذلك بواسطة بعض قيادات الجيش السوري العليا الذين استقلوا الطائرة في بداية سنة 1958 وتوجهوا للقاهرة دون استئذان رئيس وزرائهم (الوحدوي) صلاح البيطار، وفاجؤوا عبدالناصر بطلب مقابلته والإصرار على الوحدة الفورية والاندماجية وليست الفيدرالية، ورغم تردد عبدالناصر، فقد أذعن في النهاية، إذ «لم يطاوعه قلبه» في رفض الطلب! كان الشعور العام أن مطلب الوحدة، وكذلك شخصية عبدالناصر، أكثر شعبية في سوريا منها في مصر. لذا لم يصدق عبدالناصر نبأ طلب الانفصال، لكن أمام الواقع، وصلت به الحسرة إلى المرض بالسكري الذي استفحل، وأودى أخيراً بحياته بعد الانفصال بتسع سنوات. وبالفعل فقد كان 28 سبتمبر 1970 اليوم الثاني لغضب الخريف على العرب في تاريخهم المعاصر، فيه كانت وفاة عبدالناصر المفاجئة، ورغم أن المرض اشتد على الزعيم وكان يتردد على موسكو للعلاج، لكن سياق وفاته ذو أهمية فيما يتعلق بغضب الخريف وسبتمبر أو أيلول الأسود، فالكل تقريباً يتذكرون الحرب الأهلية التي انفجرت في الأردن بين الجيش وقوات منظمة «فتح» الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، حين تطور ذلك الاقتتال بسرعة، فقرر الزعماء العرب عقد قمة فورية في مقر الجامعة العربية بالقاهرة لوقف نزيف الدماء. استمر عمل القمة طوال ثلاثة أيام متواصلة، في جو شديد التوتر، حتى أنه في أحد الاجتماعات لم يسمح للعقيد معمر القذافي بدخول قاعة الاجتماعات قبل التخلي عن مسدسه. بذل عبدالناصر جهداً خرافياً لمواصلة الاجتماعات والسيطرة على الموقف، وأثناء توديعه أمير الكويت -آخر الزعماء المغادرين- خانت عبدالناصر قواه ولم يستطع السير إلى سيارته، وتوفي بعدها بساعات بعد أن خذله قلبه العليل من كثرة المجهود. ورغم الاعتراض على بعض سياسات عبدالناصر، فإن شخصيته الكاريزمية جعلته معبود الشارع العربي، وهكذا كان موته فجيعة أضفت طابع المأساوية على يوم 28 سبتمبر، وخريف العرب الغاضب أكثر من مرة.