المرشد الأعلى المحتمل.. ليس صديقاً للغرب!
كثيراً ما يقال إن أهم حاجز أمام البراجماتية الإيرانية هو المرشد الأعلى علي خامنئي. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنه حالما يرحل خامنئي عن المشهد، فإن من سيخلفونه لن يتأخروا في تبني المعايير الدولية السائدة، وأن القيود المحدودة زمنياً التي نص عليها الاتفاق النووي لا ينبغي أن تكون مبعث قلق، على اعتبار أن النظام الإيراني «الجديد»، بعد رحيل خامنئي، سيجد الاندماج في العالم أكثر إغراءً من أن يتم التخلي عنه في سبيل الحصول على أسلحة نووية. ولكن المشكلة الوحيدة في مثل هذه التوقعات هي أن المرشح الذي يعدِّه خامنئي والحرس الثوري للصعود إلى منصب المرشد الأعلى هو واحد من أكثر أعضاء النخبة الحاكمة رجعية في إيران. ذلك أن إبراهيم رئيسي، الذي من المحتمل أن يكون المرشد الأعلى المقبل في إيران، يمكن أن يكون الشخص الوحيد في البلاد الذي يمكن أن يجعل الناس هناك يفتقدون خامنئي ويشتاقون إليه.
ويبلغ «رئيسي» من العمر 56 عاماً، وعلى غرار خامنئي، ينحدر هو أيضاً من مدينة مشهد. وبعد فترة قصيرة في الدراسات الدينية، أمضى معظم مسيرته المهنية في أجهزة إنفاذ القانون في إيران، حيث عمل مدعياً عاماً، ورئيساً لـ«مكتب التفتيش العام»، ورئيس الادعاء في «محكمة رجال الدين الخاصة»، المسؤولة عن تأديب الملالي الذين يحيدون عن الخط الرسمي. كما كان عضواً في «لجنة الموت» التي أشرفت، في صيف 1988، على مذبحة قتل فيها آلاف السجناء السياسيين الذين وُجهت لهم تهم ملفقة.
وفي الماضي كان يُعتقد أن منصب المرشد الأعلى ينبغي أن يكون من نصيب رجل دين يحظى بالتوقير والتبجيل ومشهود له بالإلمام الكبير بالعلوم الدينية، غير أن مؤهلات خامنئي الدينية الباهتة عبّدت الطريق لشخصية أقل إبهاراً أمضت حياتها المهنية في حبك المؤامرات في زوايا النظام المعتمة.
ويمكن القول إن خلفية «رئيسي» تنسجم جيداً مع مهمة قمع المعارضة والانشقاق التي يضطلع بها الحرس الثوري. ففي مقابلة صحفية مؤخراً، اعترف قائد الحرس الثوري محمد جعفري بأنه منذ 2005 بات النظام ينظر إلى التمرد الداخلي باعتباره يمثل تحدياً أكبر لوجوده من الضغوط الخارجية. وهكذا، فإن المرشح المثالي لخلافة خامنئي سيتعين عليه ألا يشاطر الحرس الثوري وجهة نظره فحسب، ولكن أن تربطه أيضاً علاقات وثيقة مع الأجهزة الأمنية والقضاء. ويبدو أن قادة الحرس الثوري قد وجدوا الرجل المناسب، حيث باتوا يروّجون لاسم «رئيسي» بشكل متزايد مؤخراً باعتباره في طليعة النظام والساهر على تنفيذ إرادته.
غير أن خامنئي يُعتبر داعماً أهم لـ«رئيسي». فقد عيّن المرشدُ الأعلى الإيراني «رئيسي» مؤخراً لرئاسة واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية في إيران. وهذه المؤسسة تتولى إدارة مرقد الإمام الرضا في مشهد، الذي يزوره الملايين من الزوار كل عام، وتشرف على مشاريع أخرى عديدة، وتملك عقارات ضخمة. ومع أنه من الصعب تقييمها بشكل دقيق، إلا أن قيمة الوقف تفوق 15 مليار دولار، على ما يقال. وهذا التعيين لا يعزز وضع «رئيسي» في إيران فحسب، ولكنه يضع تحت تصرفه أيضاً أموالاً طائلة يستطيع استعمالها لتنمية وتعزيز شبكته الخاصة من الأنصار والناخبين. وبهذا، يمكن القول إن خامنئي فتح أبواب العالم المالي المظلم في البلاد على مصاريعها لـ«رئيسي».
ولكن أهم مسألة بالنسبة لخامنئي وحرسه الثوري ليست بقاء النظام واستمراره فحسب، وإنما قيمه الثورية أيضاً. فهم مصممون على ألا تصبح إيران مثل الصين، التي ينظرون إليها باعتبارها تخلت عن إرثها الإيديولوجي من أجل التجارة والاقتصاد. وقد تبدو انتفاضة 2009 ذكرى بعيدة في واشنطن، ولكنها بالنسبة لحرس النظام الديني كانت حدثاً فاصلًا ومحطة فارقة. وهكذا، أخذت إيران اليوم، تحت إشراف خامنئي، تتحول إلى دولة بوليسية. ولاشك أن الامتداد المنطقي والطبيعي لهذه التطورات هو مرشد أعلى يأتي من قلب الأجهزة القمعية لإيران.
وإجراءات إيران الرسمية تشير إلى أن «مجلس الخبراء» هو الذي سيختار الزعيم المقبل، ولكن ذلك القرار شُرع في اتخاذه الآن في الواقع في الغرف الخلفية للدولة. وقد يكون الرئيس حسن روحاني محط إعجاب وآمال أميركية في نظام معتدل، ولكنه يقف موقف المتفرج فقط. وفي المقابل، يدرك خامنئي والحرس الثوري أن المرشد الأعلى المقبل سيتولى السلطة في ظرف صعب. وعلى هذا المرشد أن يشترك معهم في ميلهم إلى نظريات المؤامرة، ويبدي امتعاضاً من الغرب، ويكون مستعداً لإراقة الدماء باسم النظام. كما أن على المرشد الأعلى المقبل ألا يؤمن بمهمة النظام الديني القمعية فحسب، ولكن أن يكون أيضاً جزءاً لا يتجزأ من تلك الآلة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»