المنتدى واستشراف المستقبل
يُشكل المنتدى الاستراتيجي العربي مناسبة مهمة للتداول في القضايا الجارية في العالم واستشراف المستقبل بشأن إمكانيات تطورها وتأثيراتها الكبيرة على مختلف مناطق ودول العالم من خلال استضافة صناع القرار والخبراء لاستكشاف بعض الحقائق والتي تبرز من خلال المداولات كما يُقال في علم الفلسفة. وشهدت الدورة الخامسة عشرة لهذا العام مداولات ساخنة بحكم التطورات السريعة والخطيرة الجارية في العالم، حيث عبر عن ذلك بصورة شاملة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الذي تقدم الحاضرين قائلاً: «متغيرات سياسية واقتصادية يمر بها العالم، وتفاعلات ستشهدها المنطقة العام القادم.. وسيبقى الاستثمار في فهم المستقبل من أفضل الطرق لحفظ المصالح»، نعم الاستشراف يتيح اتخاذ القرارات الصائبة للتعامل مع هذه التحولات.
ومع أن العديد من القضايا طُرحت على بساط البحث والتحليل، إلا أن مسألتين استحوذتا على معظم النقاشات، الأولى تتعلق بآفاق الأوضاع الاقتصادية في العام القادم 2017 وبالأخص النمو الاقتصادي العالمي وأسعار النفط، والتي تهم بشكل خاص الدول المنتجة للنفط، على اعتبار أن معدلات النمو ستحدد بصورة كبيرة حجم الطلب على مصادر الطاقة، وكذلك السياسات المالية للدول الكبرى، كالولايات المتحدة التي رفعت سعر الفائدة أثناء انعقاد المنتدى والذي سيكون له تأثيرات إيجابية على الاقتصادات الخليجية وكذلك أهمية الاتحاد الأوروبي الذي لا زال يعاني بعض أعضائه من أزمات عميقة.
وفي هذا الصدد تمت الإشارة إلى أن التغيرات المتسارعة عقدت من القراءات الاقتصادية المستقبلية، بحيث أضحت التوقعات أكثر صعوبة، كما أن الفترة القادمة ستشهد تقلبات اقتصادية مستمرة مع نمو عالمي بطئ، إلا أنه ثابت ويتيح بعض الفرص التي يمكن استغلالها والبناء عليها. أما القضية الأخرى والتي استحوذت على معظم الاهتمام، فهي تلك الخاصة بفوز دونالد ترامب ومحاولة معرفة توجهات إدارته الجديدة، والتي ستترك آثاراً كبيرة على مجريات التطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية في العالم، وذلك بحكم مكانة وتأثير الولايات المتحدة، كاكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم.
ومع أن الجلسة الرئيسة التي تحدث فيها رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون ووزير الدفاع والاستخبارات الأميركي السابق «ليون بانيتا» قد تطرقت للتوقعات الخاصة بسياسات إدارة ترامب، إلا أن الجلسة الأخيرة تناولت ذلك بصورة أكثر تفصيلا، إذ أشار المحاضر إلى أنه لفهم الرئيس المقبل لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ثلاث قضايا رئيسية، الأولى كيف ستشكل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وثانياً أهمية المصالح الأميركية في مختلف مناطق العالم، وثالثاً تحديد الفرص والتهديدات المحتملة ومصادر الإرهاب.
وتشعبت المداولات في هذا الجانب، إلا أن القضية الأكثر استحواذاً كانت من نصيب كيفية تعامل إدارة ترامب مع الملف الإيراني، كالاتفاقية الخاصة ببرنامج إيران النووي التي وعد ترامب بإلغائها وطموحات طهران التوسعية في المنطقة ودعمها للإرهاب.
وفي هذا الجانب ذكر المتحدث، - وهذه وجهة نظره - التي ليست بالضرورة مطابقة لاحتمالات المستقبل من أن الإدارة الجديدة ستثير الكثير من الصخب حول إيران، إلا أنها لن تلغي الاتفاقية النووية، كما وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية، كما رأى بأن على الإدارة الجديدة الاهتمام بأمن الحلفاء وحرية الملاحة التي تهددها إيران و«الحوثيين».
وفي الوقت الذي يُشكر فيه القائمون على التنظيم الجيد للمنتدى، فإن هذه وغيرها من القضايا العالمية كانت محل اهتمام الحاضرين لاستشراف التطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية المستقبلية، وبالأخص في المنطقة العربية المشتعلة، إذ تبدو هذه التطورات غير واضحة المعالم تماماً وقابلة للتبدل والتقلب، إلا أن بعضها ستتضح الرؤية بشأنه في الأشهر الأولى لتولي ترامب الرئاسة، مما يتطلب الاستعداد لكافة الاحتمالات لتجنب الجوانب السلبية أو التقليل من آثارها والاستفادة من بعض التطورات الإيجابية وتسخيرها للمصالح الخليجية والعربية.
د. محمد العسومي*
*مستشار وخبير اقتصادي