أتاحت وزارة الثقافة المغربية لعدد من المثقفين الأفارقة والعرب فرصة قليلة الحدوث هذه الأيام لحوار مخلص وصريح حول طبيعة ومستقبل العلاقات بين العرب والأفارقة، في زمن يفرض فيه حوار السلاح والعنف باسم حوار الحضارات! ومن الطريف أنه عقب كلمة الوزير الشاعر محمد الأشعري في افتتاح الندوة بالرباط عن أهمية التعاون بين العرب والأفارقة في هذه الظروف الصعبة، وإذا بأحد المشاركين يذهب بسرعة لأبعد من ذلك بالحديث عن ضرورة النظر والتدقيق في وضع الواو بين العرب والأفارقة باعتبار الحضور جميعا··· عرباً أفارقة · وحتى عندما اكتشفنا وجود أحد المشاركين الفضلاء من أبناء الجزيرة العربية، وإذ به من علماء الآثار الذي لم يبخل بمعلوماته عن شراكة هذه الجزيرة أيضاً من أعماق التاريخ في هذه الوحدة ممثلة في الآثار الممتدة التي تكشف وحدة أثرية قديمة، بل ذهب آخر وهو جيولوجي حكيم إلى أن انشقاق البحر الأحمر عن الكتلة الأفريقية المجاورة لا يتعدى بضعة ملايين من السنين، مما يشير إلى وحدة الحجر قبل وحدة البشر!
وقد كان الحديث جاداً بالفعل، ويستحق النشر بين الأجيال الجديدة أو المثقفين الجدد ، الذين يبالغون في القُطرية ، في زمن العولمة، فيقسمون البشر والحجر معاً وفق مصالح جديدة، وتطلعات غير مدروسة، لاتلتفت ضمن ترتيب همومها نحو الجنوب، شرقاً أوغرباً· ولن يعدم هؤلاء توفر نظرائهم في كل ساحة، مما لا يجعلنا ندهش، لماذا نجد أنفسنا وحدنا بهذا الشكل إزاء الأحداث الجلل التي نواجهها؟ ورغم أشكال التأييد الشعبية الواسعة، إلا أن تحكم المصالح ومبرراتها يبدو ملفتاً· والكل يتساءل: ماذا تفعلون أنتم أيها العرب لأنفسكم؟ ولا نستطيع أن نرد بقوة إزاء هذه النزعات الفردية المدمرة بيننا·
لذلك بدا الموقف الأفريقي، في حوارات هذه الندوة بالرباط متقدماً بحق عن كل التوقعات، وقد كان الحضور من شخصيات مهمة في مختلف المواقع، تاريخاً وحاضراً، وقد عبر مثقف مثل مختار امبو مدير عام اليونسكو الأسبق (سنغالي) عن فهم عميق للثقافة العربية والإسلامية، وراح يفسر دوره في وضع هذه الثقافة مع قرينتها الأفريقية وغيرها على صعيد الاهتمام العالمي أثناء إدارته لـ اليونسكو ، بل وانتقد أعمالاً تمت في فترة إدارته مثل كتابة تاريخ أفريقيا العام، عندما شعر بأن المحررين للأجزاء العربية والأفريقية، ليسوا بالتمثيل المناسب لهذه الثقافات، مما جعل موقف المحررين الأجانب ينحاز ضد التاريخ الحقيقي والغني لشعوب القارة وعلاقاتها من جهة، بل ولم يعطِ هؤلاء المؤرخين المكانة المناسبة للعلاقات وجهود التحرر الوطني المشتركة بين العرب والأفارقة من جهة أخرى·
لم تؤثر النسبة الأكبر من الحضور من أفريقيا المسماة بالفرنكفونية ، بل وأوضاع بعضهم كوزراء سابقين أو حاليين عن تعبير بعضهم أو الآخر عن معايشة للتعليم الإسلامي لفترة من حياته قطعتها عملية التحديث والإدارة الاستعمارية، ولم يؤثر ذلك في تناول بعضهم لتفاصيل العلاقات ومشكلاتها في هذا المجال· فتحدث البعض منتقداً اقتصار المساعدات العربية والإسلامية في مجال الثقافة والتعليم، على مدارس تحفيظ القرآن أو محو الأمية باللغة العربية أو رعاية بعض الجمعيات الإسلامية التي لا يخلو عمل بعضها من إدارة المصالح· ويؤدي هذا المنظور بالطبع إلى أن مثله، وقد حفظ القرآن مبكراً بشكل تقليدي، لم يتواصل ذلك معه تأثيراً في ثقافته العامة بعد ذلك، كثقافة حديثة تربطه بالعالم العربي مثلاً، ومن ثم لم يطرح على نفسه قبل هذه الندوة مثلاً، أهمية متابعة حداثة العالم العربي ولم يتيسر له انتاجاً فكرياً عربياً مترجماً ينقل له الفلسفة أو الابداع العربي المعاصر·
ومن حسن حظ الندوة أن توفر لها عدد من الباحثين المغاربة المتميزين إلى جانب إخوانهم من مصر وتونس والسودان وموريتانيا وليبيا والسعودية وسوريا، ممن أسهموا جميعاً في الكشف عن معرفة جيدة بالواقع الأفريقي وخاصة في مجال الثقافة التاريخية، محاولين تقديمها كـ روابط ممتدة، مما أثار من جهة أخرى مسألة الثابت والمتغير في هذه العلاقات العربية الأفريقية، خاصة في زمن العولمة· ففي هذا الزمن تجري عملية التفتيت للهويات الصغرى على الأقل لتفرض الهويات الكبرى نفسها، وضمن محاولة لهيمنة الأكبر والأقوى·
وهنا ثار الحديث عن إمكانية العرب والأفارقة - بالواو أو بدونها!- على خلق كتلة حديثة مناسبة لهذا التحدي، كتلة أسميتها في تقديمي باندونج الجديدة التي تحيي بين شعوبنا وليس فقط بين حكوماتنا مثلما بدأت باندونج 1955 ، تحيي شعوراً متجدداً بقوة شعوب الجنوب في عملية العولمة· ورأيت مع الحاضرين، أنه في الدار البيضاء تحديداً نشأت كتلة عرفت بين أقوى عناصر تحرك هذا الجنوب عام ،1961 وفي الشمال العربي الأفريقي نفسه، عرفنا مؤتمر الشعوب الأفريقية الآسيوية في مصر ،1958 ومؤتمر جميع الشعوب الأفريقية بتونس عام ·1961
وتدافعت الأفكار المتحمسة للعمل العربي الأفريقي، في أحاديث عن دور الثقافة العربية الإسلامية التاريخية في الواقع الجد