إرهابي لا يذبح حتى دجاجة!
في عمليات الإعدام التي تجري تحت إشراف سلطة رسمية، نلاحظ أن أفراد كتيبة الإعدام التي تطلق الرصاص، أو الأشخاص القائمين على الإعدام بطريق الشنق، يغطون وجوههم بأقنعة، لئلا يتعرّف إليهم الحضور، خصوصاً ذوي المحكوم عليه، منعاً لأي ردّات فعل انتقامية، أو حتى نشوء حالات كراهية لأشخاص يقومون بواجبهم.
وإذا ابتعدنا عن ساحة الإعدام ورجعنا إلى الوراء قليلاً، سنجد أن هناك عشرات الأشخاص الذين عملوا على إيصال المحكوم عليه بالإعدام إلى تلك النهاية، فهناك رجال المباحث، وأعضاء النيابة، والقضاة، والشهود، والخبراء، والأطباء، فكل هؤلاء ساهموا معاً في كشف الجريمة، والإيقاع بالمجرم، والحكم عليه بالعقوبة التي يستحقها.. ومع هذا، لا أحد منهم يغطي وجهه بقناع.
يحصل هذا لأننا كبشر نركز أنظارنا على المنتج النهائي، ففي عملية إعدام شخص، نحن نركز على المنتج النهائي لعملية تحقيق العدالة والقصاص من المجرم، والمنتج النهائي هنا يتمثل في الشخص الذي يقوم بتنفيذ حكم الإعدام، رغم أن دوره هامشي جداً في العملية برمتها.. ومع هذا، فصورة هذا الرجل لن تفارقنا أبداً، وسيبقى دائماً هو الذي اقتصّ من الجاني.
هكذا أيضاً يحدث معنا عند تذكر النازية، فهذه العقيدة يمكن رؤيتها متمثلة في القبور الجماعية، والمعتقلات، والأسرى، والهياكل البشرية التي تنتظر بعض الحساء، وما تبقى من آثار أفران الغاز، وكذلك برؤية صور الجنود الألمان وهم يمارسون القتل والتنكيل بأريحية، أي أننا نرى النازية من خلال منتجها النهائي، لكننا غالباً لن نرى النازية في وجه أدولف هتلر، رغم أن النازية وهتلر مسميان لشيء واحد.
ولعلّ سيناريو مشابه لهذا السيناريو يحدث مع الإرهاب، مع الفارق بطبيعة الحال في الظروف والحيثيات، فنحن نركز أنظارنا على المنتج النهائي، أي الإرهابي الذي تجري العملية على يديه، ويصعب علينا تصوّر العملية الإرهابية منذ بدايتها، وحتى إذا استطعنا تصوّر ذلك، فإنه يصعب على عقولنا إيجاد الرابط بين إرهابي أشعث أغبر، وبين محرّض حسن الهندام يتمتم بالآيات والأحاديث، ومموّل رفيع المستوى يضع أغلى العطور الفرنسية.
ارتبط الإرهاب في أذهاننا بالكهوف، والأوكار، والخرائب، هذا بالنسبة للأماكن، أما بالنسبة للأشخاص، فالإرهاب يرتبط في أذهاننا بالبؤس، والمعاناة، والجهل، والقسوة، ومن ثم يصعب علينا تصوّر أن العملية الإرهابية مرّت، قبل أن تصل إلى المنتج النهائي، عبر مكان عصري يضجّ بالحياة، وعبر أشخاص يعيشون في بحبوحة، ويتحدثون بلباقة، ولا يبدو أنهم قادرون حتى على ذبح دجاجة.
نركّز على شخص الإرهابي البائس الذي يلفّ نفسه بحزام ناسف، أو يحمل رشاشاً في الشارع، أو يطأ بقدمه على صدر الضحية تمهيداً لنحره، أما من حرّضه، وهيّجه، وملء رأسه بالتطرف، وشحن صدره بالكراهية، والذي موّله، وجهّزه، وأمدّه بالعدة، ووفر له الوسيلة، وهيأ له الطريق، فلا يخطران ببالنا حتى ولو كنا على يقين تام بالدور الذي قاما به، إذ عقولنا تعجز عن الربط، أو تعجز عن تخيل الصورة الكاملة، مثل صفحة الجريدة، فنحن لا نرى فيها الأشجار التي صُنع منها الورق، لكن الجريدة تبقى مصنوعة من الأشجار. ?
-------------------
*كاتب إماراتي