المقاطعة غير الحصار
في الأيام الأخيرة، وعبر بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كثرت أحاديث تشير إلى فرض حصار على قطر من قبل دول مجلس التعاون الخليجي المحيطة بها، وهذه أحاديث مغلوطة ويجانبها الصواب، وتهدف الجهات التي تطلقها إلى تشويه الصورة وقلب الأمور لتأليب الشعب القطري من جانب وتأليب الرأي العام العالمي من جانب آخر. والحقيقة أنه يوجد فرق كبير بين الحصار والمقاطعة، فالحصار هو آخر مرحلة من مراحل التطويق التي تأتي بعدها الحرب مباشرة، وما هو حاصل اليوم بالنسبة لدولة قطر بعيد تماماً عن أن يكون حصاراً أو مرحلة من مراحل التمهيد للحرب، ودول مجلس التعاون الخليجي المعنية بالأمر إلى جانب الدول العربية التي تقف معها ليست معنية في هذه المرحلة بشن أي حرب ضد قطر، وكل ما في الأمر هو الرغبة في إعادة من يسيطرون على الأمور في الدوحة إلى صوابهم والعودة عما هم فيه من تمويل للإرهاب ودعم للحركات والجماعات المتطرفة والإرهابية كـ"الإخوان" و"النصرة" و"حزب الله" اللبناني وغيرها، والتدخل في شؤون الدول الأخرى. من يسيطرون على الأمور حالياً في قطر ومن يرسمون لها ويسيرون دفتها، بدلاً من أن يستجيبوا لأشقائهم من دول المجلس الذين يناشدونهم منذ أمد طويل أن يعوا مايقومون به ويقدروا خطورته على أنفسهم وعلى جيرانهم وأشقائهم في الدول العربية، ركبوا رؤوسهم وكابروا وصعدوا الأمور بطريقة غريبة يصعب استيعابها بسهولة على البيت الخليجي، فها هم يستعينون بقوات أجنبية من إيران وتركيا ومن شتات الأرض، هذا إن لم يلجأوا إلى الجماعات الإرهابية التي طالما آووها ودعموها بكل ما يستطيعون من مال وسلاح وتدريب ودعم لوجيستي وأدبي، وذلك لمحاربة أشقائهم من دول المجلس التي تريد صلاحهم وإصلاحهم. من كل هذا أتساءل: على ماذا هم يراهنون في وسط هذا الغي الذي لم يشهد له الخليج العربي مثيلاً من قبل سوى من الطرف الإيراني تجاهنا نحن العرب؟
المشهد الذي أمامنا الآن يشير إلى أن من يسيطرون على زمام الأمور في قطر يراهنون على الدعم الإيراني عسكرياً واقتصادياً وتجارياً، هذا من جانب، ومن جانب آخر، بعد أن أوضحت الولايات المتحدة الأميركية موقفها الواضح من أن قطر دولة راعية للإرهاب بشكل عميق ومنذ أمد طويل، كما جاء ذلك بشكل مباشر وواضح على لسان أكبر سلطة تنفيذية في البلاد الرئيس دونالد ترامب ذاته، فقد صار واضحاً لهم بأن من يعولون على حمايته لهم من خلال القواعد العسكرية المتواجدة لديهم قد ابتعد عنهم وأدانهم في مايتعلق بقضية دعم الإرهاب تحديداً. وهنا يبدو بأن الأمور قد انقلبت رأساً على عقب، فصار من يسيطرون على الأمور في قطر يعولون ويراهنون على خروج الرئيس الأميركي من السلطة كلية، أي على الشأن الداخلي الأميركي الذي يواجه فيه الرئيس تحديات حالياً. لكن المسألة ليست بهذه السهولة التي يتخيلها حكام قطر.
أعود إلى الحديث عما يمكن لإيران أن تقدمه لقطر في ظل الظروف الحالية التي تمر بها، خاصة لو طال أمد التعنت الحاصل حالياً والمكابرة التي ينتهجها المسيطرون على الأمور، ونقول لهم بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فإلى متى تستطيع دولة تعاني ما تعانيه من مشاكل وأزمات وقلاقل واضطرابات أن تستمر في تقديم العون إلى قطر أو إلى غيرها؟ وما يعاني منه الشعب الإيراني ذاته من فقر وعوز، وما يواجهه من أزمات على صعيد الغذاء والدواء ولوازم الحياة الأخرى الأساسية تشيب لها الولدان، فكيف لدولة تمر بكل هذه الأزمات والكوارث، ويعاني شعبها كل ما يعانيه من شظف عيش وتخلف وعوز، بسبب ما ينتهجه قادتها من سياسات وممارسات خاطئة تجاه شعبهم وجيرانهم، وما يدخلون فيه المنطقة من سباق للتسلح التقليدي، وما يسعون إليه من تسلح نووي أن يقدموا إلى غيرهم العون والمساعدة إلى ما لانهاية. إن خاتمة القول هي إن الشعب القطري عزيز علينا، فهم أهلنا وجيراننا ولاتريد بهم دول وشعوب الخليج العربي الأخرى أية مضرة، فهم غالين عندنا ولا نكن لهم كشعب سوى الخير والمودة، لكن عندما تأتي فئة قليلة لكي تضر بمصالح الجميع فإن الأمور يجب أن تعاد إلى نصابها، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
د. عبدالله جمعة الحاج*
*كاتب إماراتي