في عام 1865 كان المقيم البريطاني في بوشهر لويس بيلي (ت عام 1893) على موعد في العاصمة السعودية الرياض مع الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله الذي يُعتبر المؤسس الحقيقي للدولة السعودية الثانية، وهدفت هذه الزيارة إلى شرح وجهة نظر البريطانيين بعد القلق الكبير الذي انتاب الرياض إثر تمزيق البريطانيين للممالك العربية شرق الجزيرة وفي القرن الأفريقي. كان السفير بيلي قد أعد تقريره الذي رفعه إلى التاج البريطاني، مؤكداً فيه أن السعوديين هم الأقدر على فرض الاستقرار والأمن في ربوع الجزيرة العربية مترامية الأطراف. كان السعوديون قد خسروا نفوذهم المهيمن في غرب الجزيرة العربية في الوقت الذي كانوا يتوسعون بشكل مفاجئ للجميع شرق الجزيرة. استحوذ القلق على البريطانيين إثر معلومات استخبارية تسربت عن سعي الفرنسيين في عصر نابليون الثالث إلى كسب صداقة السعوديين، لهذا كان السفير بيلي في حاجة إلى عقد لقاء مهم مع واحد من أعظم الزعماء العرب في النصف الأخير من القرن التاسع عشر. وعبر ثلاثة اجتماعات مع الإمام، تعززت ثقة بيلي بفكرته أن آل سعود هم الأقدر على كبح التمرد، وفرض الاستقرار، وأنهم الأكثر حنكة وسياسة على كسب ولاء القبائل من البدو والحضر، وجمعهم تحت سلطة قوية قادرة على الوفاء بالتزاماتها داخلياً وإقليمياً، وبالأحرى العهود التي يمنحونها للدول العظمى. يذكر بيلي في تقريره أنه في الاجتماع الثالث والأخير مع الإمام فاجأه بقلقه نحو رعاياه وحاجتهم إلى الاستقرار الحضاري والتوطين، وتطلعه إلى عقد تحالف يُمَكِن السعوديين من التوسع شمالاً وشرقاً. ويشير بيلي إلى أنه لم يكن واضحاً له من الحديث ما إذا كان الإمام يقصد التمدد نحو فارس. يتلقى أحفاد الملك عبدالعزيز منذ نعومة أظافرهم تعاليم الدين، ويلتحقون بالتعليم العام، ويدرسون المقررات نفسها التي يتعلمها الملايين من السعوديين، إلا أن كونهم أبناء ملوك يجعلهم يتلقون تعاليم غير مكتوبة، من قبيل الإرث الشفهي يتجسد عبر تفاصيل الحياة اليومية، في حديث الشيوخ الكبار من الأمراء، وفي المراقبة الصامتة لسنوات لما يدور في مجالس الحكم المفتوحة، ثم تولي مسؤولياتهم الإدارية التي تمنحهم تعليماً حياً لكيفية التعاطي مع المشاكل اليومية، واحتياجات المواطنين، والتعامل مع نزاعات القبائل، وإصلاح ذات البين، واحتواء المتمردين، وتوفير الخدمات للمناطق التي تعاني نقصاً... كيف يمكنهم على الدوام توثيق الولاء للوطن وقيادته. وفي حالة الأمير الشاب، فقد كانت ملازمته اللصيقة لوالده، الملك، الذي كان أميراً للرياض قرابة ستة عقود، هي المنجم لكل ما اكتنزه تفكيره السياسي، والمادة الخام لكل ما تفتقت عنه رؤيته لحاضر ومستقبل البلاد. ومع تولي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولاية العهد في الأسبوع الماضي، فإنه يظل مهجوساً بالقضايا التي يجب ترسيخها في الناشئة، في لحظة تاريخية حاسمة وتحديات كبرى لم يسبق لبلاده أن عرفتها: كيف يمكن للسعوديين الشباب أن يتشربوا المفاهيم الأساسية، العقيدة الوطنية التي تجعلهم يُضحون بمهجهم لضمان عدم حصول تهديد لبقاء الدولة، أو سلامة حدودها السيادية أو استمرار نظام حكمها الداخلي أو التضييق على خياراتها وقرارتها. وهو بالتحديد ما يسعى الأمير إلى تحويله إلى بديهية وثقافة شائعة تتجاوز الأمراء إلى ملايين السعوديين الشباب في أمة يُشكل فيها هؤلاء الشباب أكثر من 60% ذكوراً وإناثاً. -------------- منصور النقيدان* * كاتب سعودي