من أكثر الظواهر المتكررة المؤسفة في الحياة السياسية العربية والإسلامية، مبالغة وغرور الأحزاب الإسلامية، وإعطائها الوعود بلا حسيب أو رقيب، يساعدهم في ذلك بلا ريب أنهم يخاطبون مجتمعات محبطة فقيرة متخلفة مستاءة، تصدق كل وعد، وتنتظر أي معجزة.. وبخاصة الجمهور الذي التفّ حول حركة «حماس» في سنوات صعودها. أذكر أنني كنت أناقش طبيباً فلسطينياً بشأن «حماس» وقدراتها وواقعية مواقفها ووعودها! ثم اكتشفت أن الحديث معه غير ذي جدوى، فهو مستاء من فساد «فتح»، ويائس من الأوضاع.. وقد لا تكون «حماس» أسوأ أو أكثر تخبطاً منهم. وهذا ما حدث في أماكن أخرى، وما جرى كذلك للإيرانيين بعد ثورة طاحنة عام 1979، خرج منها المتحمسون بعد سنوات نادمين، يضربون كفاً بكف وكفاً على الرأس، بعد أن جرى لهم ما جرى! في أغلب الأحوال يتسابق الجمهور إلى تصديق هذه الحركات والجماعات بسبب التغليف الديني والشرعي البراق لأفكارها ووعودها، وبسبب ترويجها لالتزامها المعلن على الملأ، بحل مشاكل السكن والغذاء والدواء، وبمطاردة الفاسدين، وبمضاعفة فرص العمل للجميع. وتسهيل الزواج. نقلنا في المقال السابق كلمات قادة «حماس» واعترافهم بالتعجل والخطأ.. ولكن ما الفائدة؟ فلقد دفع الشعب الفلسطيني ثمن ذلك الارتجال، وتلك الخديعة، وهم في أغلب الظن، «كذبوا له ولم يكذبوا عليه»، ولهم في كل الأحوال كما قد يزعم بعضهم «أجر الاجتهاد»! عندما كان قادة «حماس» منهمكين في إعداد العدة للتراجع، وفي مجابهة الناس المفجوعة بهم في قطاع غزة، كان كل شيء ينهار ويغلي، وحياة شعب القطاع تنحدر في مهاوي البؤس بسرعة. أزمة الكهرباء، كما نقلت الصحف في يناير هذا العام، تحولت إلى مواجهات في شوارع غزة، واستخدمت «حماس» الرصاص والضرب لتفريق المظاهرات، وقامت بحرق صور الرئيس محمود عباس ورموز حكومته. «في أسوأ مواجهات بين الحركة ومواطنين بشأن الكهرباء منذ سيطرة الحركة على قطاع غزة عام 2007»، «الشرق الأوسط، 14-01-2017». وطالبت حركة «فتح» جماعة «حماس» الحاكمة بضرورة التوقف الفوري عن مطاردة كوادرها وأنصارها في غزة، ولم تتعاطف حتى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وحركة «الجهاد» مع قمع متظاهري «مخيم جباليا». وقالت «حماس» إن السلطة في الضفة تتحمل مسؤولية الأزمة، وردّت السلطة الفلسطينية أن «حماس تسرق الكهرباء»، فيما اتهمت «حماس» السلطة «بإيداع» 50 مليون دولار من ضرائب القطاع في جيوب مسؤوليها، وردت السلطة أن مجموعة تكلفة الطاقة التي تؤمنها الحكومة لقطاع غزة يبلغ 270 مليون دولار. كما حذّرت الحكومة الفلسطينية جماعة «حماس» منتقدة سياستها في التدخل في الشأن العربي، «وأن ندرك جيداً أننا كفلسطينيين بحاجة إلى كل العرب، لا أن نكون جزءاً من تلك الخلافات». وقالت «فتح» إن «حماس» قتلت 600 من المناضلين، ونكّلت ببعضهم، وجرحت آلافاً، وأحرقت منازل، في قطاع مزدحم من فلسطين يعيش فيه أكثر من مليون ونصف المليون تحت خط الفقر، كما تقول الإحصائيات، ولا يزيد معدل الدخل اليومي للفرد عن دولارين! يضاف إلى هذا أن نحو 50% من المساكن التي دمرت بالكامل على يد الإسرائيليين عام 2014، ما زالت تنتظر الإعمار، وسكانها، وهم نحو مائتي ألف مواطن.. في عداد المشردين. كيف يتعايش السكان مع قسوة هذا الواقع؟ وما تطلعاتهم نحو «الأيام القادمة»؟ تحدث أحد مواطني غزة، «علي مشهور» - 41 سنة، عايش حقبتي حكم السلطة والعهد الجديد لـ«حماس»، فقال: «إن الأزمات المتلاحقة تجعلنا نفكر فقط في تأمين احتياجاتنا اليومية. بصراحة، لم يعد هناك أي تخطيط للمستقبل.. الحياة لا تُطاق، لا يوجد حاضر ولا مستقبل.. «حماس» خسرت أكثر بعد حكمها القطاع، فشلت في إدارتها لغزة، أعتقد أن عليها أن تدرك أن الواقع تغير، وأن تعمل على تحسين الظروف الحياتية. حتى قاعدتها الجماهيرية تزعزعت بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة». إن الحل الأمثل أمام «حماس»، أضاف «مشهور»، هو إنهاء الانقسام، «من دون ذلك، الوضع سيزداد سوءاً، كل شيء يتراجع إلا أرقام الفقر والبطالة، الأجيال تفقد الثقة بالمستقبل، وهذا وضع مخيف». هل تُنهي الاتفاقية المصرية الحالية «عقداً من الانقسام والاتفاقات الفاشلة؟»، تساءلت صحيفة الشرق الأوسط في مقال مطول قالت فيه، «حماس وصلت إلى نقطة فشل ذريع في إدارة غزة»! وأضافت، أن «حماس كانت تعتقد أن وثيقتها السياسية ستشكل مفتاح بوابة دخولها إلى حلقات إقليمية ودولية وهذا لم يتحقق». وكانت الحركة قد بالغت في النتائج المتوقعة من الانفتاح على مصر، «واتضح أن مصر تتعامل بحذر.. وأصبح من الواضح بالنسبة لحماس أنه لا يمكن أن تستكمل العملية مع مصر إلا بدخول عباس إلى غزة». وهناك أسئلة كثيرة مثل، هل تتنازل حماس عن دخولها المالية في قطاع غزة؟ هل تتنازل عن قبضتها الأمنية؟ هل تسمح للسلطة بالعمل بحرية؟ هل ستسمح «حماس» بأي نقاش حول سلاح«كتائب القسام»؟ هل ثمة ثقة بعد أن «بَنَت حماس في غزة دولة، تقابلها في الضفة دولة من نوع آخر»؟ وتوجد اليوم في غزة مجموعات مسلحة تابعة لحماس وللجهاد الإسلامي وللجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحتى لحركة فتح كما يوجد متشددون وجماعات مسلحة أخرى.. فكيف تتعامل السلطة الفلسطينية معها؟ وهل للشراكة الأمنية أي مستقبل؟ وهل يمكن لعناصر من حماس العمل في أجهزة أمن الضفة والعكس؟ وماذا عن «كتائب القسام» التي تُقدر السلطات الإسرائيلية عددها بما يزيد على عشرة آلاف مقاتل، وتتحكم راهناً بالحدود مع مصر وإسرائيل، وتتحكم بأجهزة الأمن في القطاع؟ وتريد «حماس» تفريغ نحو 43 ألف موظف وعسكري فوراً في حكومة الضفة عندما تتسلم قطاع غزة، لكن حركة «فتح» رفضت. ثم هل تسمح «منظمة التحرير» بدخول «حماس» فيها وكيف، وما ستكون حصتها في المنظمة؟