الأسلحة النووية وواقعية ترامب
باتت لدينا الآن فكرة، عن السبب الذي دعا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، لأن يقف على مسافة من بعض تصريحات الرئيس دونالد ترامب، وذلك بعد أن أوردت شبكة «إن بي سي نيوز» تقريراً كان من بين ما جاء فيه أن ترامب قد تحدث بصراحة في اجتماع سابق مع مسؤولي الأمن القومي الأميركي الكبار، حول العودة إلى حالة الحرب الباردة وحشد أسلحة نووية، يمكن أن يصل حجمها الآن إلى عشرة أضعاف حجمها خلال الحرب الباردة.
وجاء في تقرير «إن بي سي نيوز»: «وفقاً لما قاله المسؤولون الحاضرون، فإن مستشاري ترامب، ومن بينهم رئيس أركان القيادة المشتركة ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، شعروا بالدهشة عندما قال ترامب ذلك، وقدموا شرحاً موجزاً للعوائق القانونية والعملية التي تعترض تكديس الأسلحة النووية، وكيف أن الوضع العسكري الأميركي في الوقت الراهن أقوى مما كان عليه عندما كانت الترسانة النووية للولايات المتحدة في أوج تضخمها. ويقال إن تيلرسون قد أدلى بتعليقه الذي اختلف فيه مع ترامب بعد اجتماع 20 يوليو هذا، وهو ما نفته وزارة الخارجية الأميركية مباشرة، على رغم أن تيلرسون قد أحجم شخصياً عن تقديم هذا النفي.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها ترامب لموضوع الأسلحة النووية أو يتحدث عنها بشكل غير واقعي من وجهة نظر منتقديه، ولكنها تؤكد أن موقفه منها الذي يتسم بالحدة بدأ يرشح تدريجياً إلى البيت الأبيض. وعلى رغم أن كلام ترامب عن الأسلحة النووية، قد وصف من قبل بأنه موجه لأغراض سياسية وتموضعات انتخابية، إلا أنه يبدو الآن أكثر واقعية، إلى حد كبير.
وعندما كان مرشحاً للرئاسة، بدا ترامب وكأنه ينأى عن الخوض في موضوع الأسلحة النووية في بعض الأوقات، وهو ما كان يبدو واضحاً من تصريحاته، ومنها تصريح قال فيه: «إن أكبر مشكلة في العالم بالنسبة لي هي الأسلحة النووية والانتشار النووي»، وفي تصريح آخر قال: «إن استخدام هذه الأسلحة سيكون هو آخر خطوة يمكن أن أفكر فيها».
ولكنه في الوقت نفسه تقريباً، بدأ في مغازلة فكرة السماح فعلياً لبعض الدول -أي اليابان- بامتلاك أسلحة نووية. وفي أغسطس 2016 ادعى مقدم البرامج «جو سكاربورو» أن ترامب قد سأل خبير سياسة خارجية عن فائدة الأسلحة النووية إذا لم تكن هناك نية لاستخدامها، وقال لذلك الخبير تحديداً: إذا كانت لدينا مثل هذه الأسلحة فلمَ لا نستخدمها؟». وحينها، أنكرت حملة ترامب هذا الكلام، ولكن في مقابله له في شهر مارس على تلفزيون «إم إس إن بي سي» بدا ترامب وكأنه يقدم حجة مماثلة.
وفي بدايات عام 2016 قال ترامب مرتين إنه يريد أن يكون «غير قابل للتنبؤ» فيما يتعلق بالأسلحة النووية، وترك الباب مفتوحاً أمام فكرة احتمال استخدامها في أوروبا إذا كان ذلك ضرورياً، وقال عن ذلك «إن أوروبا قارة كبيرة».
وكرئيس بدت تعليقات ترامب عن الأسلحة النووية مثيرة للانتباه في بعض الأوقات. ففي شهر أغسطس الماضي، ادعى ترامب أن ترسانة الأسلحة النووية الأميركية قد أصبحت أكثر قوة عما كانت عليه من قبل، وقال حرفياً إن ذلك يرجع «للتحديثات التي تمت على تلك الترسانة تحت رئاسته».
وفي نقطة أخرى قال ترامب إنه سيدمر كوريا الشمالية تدميراً تاماً، إذا ما أجبره كيم جونج أون على الدفاع عن الولايات المتحدة أو حلفائها، وهو تهديد يشير منطقياً إلى احتمال استخدام الأسلحة النووية.
وعلى مستوى من المستويات يصب خطاب ترامب عن الأسلحة النووية في صالح استراتيجيته الخارجية. وكنت قد قلت من قبل كيف أن ترامب مغرم ب«استراتيجية الرجل الصعب» التي يجبر فيها أعداءه على الاعتقاد بأنه قادر تقريباً على فعل كل شيء.
وبهذا المعنى قد لا يكون ترامب منزعجاً انزعاجاً شديداً بشأن تقرير «إن بي سي» الجديد. ولكن إذا حكمنا على الأمر من وجهة نظر الطريقة التي استجاب بها تيلرسون له، والتصريح الذي أدلى به رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ «بوب كوركر» مؤخراً وقال فيه إن هذا النوع من السياسات «قد يقودنا لحرب عالمية ثالثة»، فإنه يتضح لنا أن هذه الآراء والمواقف، قد تسبب بعض القلق للمنخرطين انخراطاً تاماً في السياسة الخارجية، وهو ما يرجع إلى أنهم يعرفون أنها تعليقات قد تبدو غير واقعية، كما يرجع أيضاً إلى أنهم قلقون بشأن النتيجة النهائية التي يمكن أن تترتب عليها.
وفي الآونة الأخيرة تحدث الجنرال ديفيد بيترايوس بإسهاب عن الجانب السلبي ل«استراتيجية الرجل الصعب»، وكان من ضمن ما قاله في هذا الشأن: «قد تكون هناك بعض المزايا في استراتيجية الرجل الصعب إلى أن تجد نفسك في أزمة».
وأضاف: «ففي الأزمة لا تريد بالطبع أن يعتقد الطرف الآخر أنك صعب إلى حد قد تدفعك لتوجيه ضربة أولى، أو تفعل شيئا غير قابل للتفكير فيه». ويبدو أن هذا تحديداً هو ما يشعر «كوركر» بالقلق بشأنه، وهو قلق لن تؤدي تعليقات مثل هذه إلى تخفيف حدته.
-----------------
آرون بليك*
* محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»