«أوربان».. الرجل القوي الجديد في أوروبا
يعتقد بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي أنه لو أن المجر التي تُعد الأكثر تقدماً سياسياً واقتصادياً من بين البلدان الشيوعية الثمانية السابقة التي حازت عضوية الاتحاد في 2004، لم تكن عضواً في الاتحاد الأوروبي وتقدمت بطلب الانضمام إليه اليوم، لقوبل طلبها بالرفض. والفضل في ذلك يعود إلى فكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري الذي يقول عنه منتقدوه إنه يحكم البلاد بطريقة سلطوية على نحو متزايد، ويقولون إن حكومته تكافئ الأوليغارشيين المخلصين لحزبه بعقود حكومية سخية، بينما يسعى هو نفسه إلى تكميم الإعلام المستقل، وإلى ملء مؤسسات الدولة التي يُفترض أن تكون محايدة سياسياً بأنصاره السياسيين، وإلى سحق المعارضة، وشيطنة الخصوم السياسيين.
وربما لا يوجد زعيم دولة عضو في الاتحاد الأوروبي يحكم بلده من دون قيود مثلما يفعل أوربان في المجر حالياً. فبعد أن ذاق السلطة كرئيس للوزراء أول مرة بين عامي 1998 و2002، استعاد المنصب في عام 2010 بعد فوز كاسح في الانتخابات الرئاسية. لكن على مدى السنوات العشر الماضية، لم يتوان أوربان عن ازدراء الاتحاد الأوروبي جهاراً والتخلص من معظم الضوابط والكوابح القانونية التي أُنشئت في النظام السياسي المجري بعد نهاية الحقبة الشيوعية في عام 1989.
ومع ذلك، فإنه من المستبعد جداً أن يخسر أوربان (54 عاماً) الانتخابات البرلمانية المرتقبة العام المقبل، وذلك نظراً لأن المعارضة منقسمة ومعنوياتها منهارة إلى حد كبير. وفي جميع الأحوال، فإن أوربان عدّل القانون الانتخابي في عام 2012 على نحو يخدم بشكل واضح مصلحة حزبه «فيدس» الحاكم، وهو ما ضمن لهذا الأخير أغلبية كبيرة من المقاعد في انتخابات عام 2014، وسيفرز النتيجة نفسها تقريباً في عام 2018.
ومثلما يلاحظ الكاتب والصحفي النمساوي بول ليندفاي في كتابه «أوربان.. الرجل القوي الجديد في أوروبا»، الذي يصنف ضمن كتب التراجم والسير الذاتية، فإن علماء السياسة المجريين مختلفون حول كيفية وصف نظام أوربان غير الليبرالي. فبينما ينعته أحدهم بـ«التحول الفاشي»، يصفه آخر بأنه «تجربة شيوعية جديدة». لكن هذه الأوصاف تبدو مبالغاً فيها أو غير دقيقة؛ ولعل الأدق هي كلمات رجلين لديهما تجربة ضمن الحكومة في بودابيست.
«بالينت ماغْيَر»، وزير تعليم سابق اشتهر بأنه هو من سكّ مصطلح «دولة المافيا المجرية»، يقول إن نظام أوربان «هو الشكل المخصخص لدولة طفيلية، ومشروع اقتصادي يدار من قبل عائلة الأب الروحي، ويستغل وسائل السلطة السياسية والعامة». هذا بينما يقول أندراس بوزوكي، وهو وزير ثقافة سابق، إن أوربان يترأس «نظاماً هجيناً تفوق خصائص النظام السلطوي فيه خصائص الدولة الديمقراطية».
وقد يبدو ذلك وصفاً دون الحقيقة بالنسبة للبعض، إلا أنه يلتقط نقطة مهمة أشار إليها أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون الأميركية، «جان فيرنر مولر». فخلافاً لما يحدث في بلدان أخرى، فإن معارضي أوربان لا يتعرضون للتصفية الجسدية. ومنتقدوه يستطيعون تنظيم احتجاجات في بودابيست. كما يحتلون مواقع في وسائل الإعلام. غير أن صاحب السلطة الحقيقية، من 2010 فصاعداً، يبدو أنه لا يتغير. ويرى بول ليندفاي أن أوربان «ساهم أكثر من أي سياسي مجري، منذ عام 1989، في الانقسام السياسي والأخلاقي والاقتصادي والثقافي الكارثي للمجتمع المجري».
أهمية كتاب ليندفاي تكمن في شرحه للأسباب التي جعلت المؤسسات المجرية في مرحلة ما بعد 1989 هشة وضعيفة أمام تغول أوربان. وهناك أربعة عوامل رئيسية: الأول هو مواهب أوربان السياسية الماكرة، إذ «ليس ثمة سياسي واحد في بودابست أو بروكسيل يمكن أن يضاهي أوربان في دهائه السياسي، ومواهبه في الخطابة، ومهاراته في صناعة الدسائس»، يكتب ليندفاي.
والعامل الثاني هو اليسار المجري، الذي ينتقده المؤلف باعتباره «جحر ثعابين يضم الشيوعيين القدامى واليساريين الذين يصوِّرون أنفسهم كديمقراطيين اجتماعيين». ذلك أن الإفلاس الأخلاقي لليسار وانعدام الكفاءة الاقتصادية في السلطة عبّدا الطريق لانتصار أوربان في الانتخابات عام 2010 وإنشائه السريع لـ«نظام سلطوي مخفي بإتقان»، يكتب ليندفاي أيضاً.
العامل الثالث أن الكثير من المجريين شعروا بالخذلان من قبل التحول من الشيوعية إلى رأسمالية السوق الحر بعد عام 1989. فاشتد الحنين بين قطاع من المجريين إلى يانوس كادار، الشيوعي المعتدل نسبياً الذي حكم المجر من 1956 إلى 1988.
أما العامل الرابع والأخير، فهو عامل «ترايانون»: والمقصود به عدم قدرة المجر على نسيان وطي صفحة اتفاقية 1920 القاسية التي تركت عدة ملايين من المجريين، إلى اليوم، خارج دولة ما بعد الحرب العالمية الأولى. وإذا كان معظم السياسيين المجريين يميلون إلى اللعب على شعور الخسارة والفقدان، فإن أوربان يتقن ذلك جيداً، كما يقول الكثيرون.
محمد وقيف
الكتاب: أوربان: الرجل القوي الجديد في أوروبا
المؤلف: بول ليندفاي
الناشر: سي. هُرست آند كو بابليشرز ليميتد
تاريخ النشر: 2017