عادت وتيرة العنف والإرهاب في ليبيا مرّة أخرى، فقد شهدت العاصمة طرابلس، والتي يقطنها أكثر من مليون شخص، أعمالاً قتالية منذ يوم السابع والعشرين من شهر أغسطس الماضي، راح ضحيتها أكثر من 63 شخصاً وجرح نحو 159 آخرين. وجرّاء ذلك تم إيقاف حركة الملاحة الجوية في مطار معيتيقة الدولي في طرابلس حتى إشعار آخر، وذلك بعد اندلاع النيران داخله بسبب سقوط قذائف من قبل الإرهابيين. ويعتبر «معيتيقة» المطار الوحيد العامل في طرابلس.
رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج اتهم قوى خارجية بالعمل ضد استقرار بلاده، وأكد بأن الاستقرار لن يتحقق ما لم يتم التوصل إلى حلول جادة طويلة الأمد للانقسامات الداخلية شديدة العمق. وأضاف بأن هناك قوى خارجية تعمل ضدنا ولمصالحها الخارجية، دون أن يحدد هذه القوى موضوع إشارته.
وتجدر الإشارة إلى أن حكومة السراج على علاقة وثيقة بالحكومة الإيطالية، فيما ترتبط الحكومة المؤقتة -المدعومة من قبل قائد الجيش الليبي اللواء خليفة حفتر، والمسيطرة على شرق البلاد- بعلاقات جيدة مع الحكومة الفرنسية.
بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، والتي يرأسها الدكتور غسان سلامة (الأكاديمي اللبناني المعروف)، تعمل منذ عدة سنوات على وقف القتال والتفاوض وحل الخلافات بين الفرقاء ودياً، ومن أجل الاتفاق على وضع ميثاق سلام ودستور وطني تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية حرة، وبعدها اختيار رئيس للبلاد.
المشير خليفة حفتر دعا إلى العمل معاً من أجل الأهداف المشتركة، وإلى الكف عن التحركات الأحادية. وأكد أنه لا يمكن إجراء انتخابات قبل استعادة الأمن والقضاء على حالة عدم الاستقرار في البلاد.
والسؤال هو: لماذا لا تتفق القيادات الليبية حول برنامج العمل المشترك وتحقيق الاستقرار والتكامل الوطني، رغم مرور أكثر من سبع سنوات على سقوط نظام القذافي؟
السبب الرئيسي للخلافات هو النزعات القبلية والمناطقية والدينية.. فكل منطقة أو قبيلة تعتقد أنها الأحق بحكم البلاد. والحقيقة التي لا يعرفها إخوتنا في ليبيا هي أنه لا توجد دولة في العالم تتمتع بتجانس اجتماعي تام، فمعظم دول العالم، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، يتكون شعبها من مزيج من البشر، يضم طوائف وأعراقاً وقوميات ولغات وأديان مختلفة.. لكنهم جميعاً متحدون في الولاء لدولتهم الجديدة، وفي الالتزام بالدستور والقوانين الوطنية.. لذلك استطاعت بلدان مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والهند.. تذويب وصهر كل الفئات على اختلافها في مجتمع وطني واحد والتعايش معاً. كل هذه الشعوب حولت خلافاتها إلى تنوع خلاق أدى إلى تفوق دولها وازدهارها واستقرارها.
لماذا يتحوَّل الاختلاف في العالم العربي إلى خلاف وشقاق يّولِّدان أزمات واحتقانات وحروب تعيق تقدم دوله؟ يوجد الآن أكثر من بلد عربي في حالة من التفكك وفقدان سيادة الدولة وتعثر وحدتها الوطنية، مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال.. إضافة إلى السودان الذي انقسم دولتين، مع احتمال تكرار هذا المشهد في بلدان عربية أخرى!
لذلك من الواضح الآن أن الأمن والاستقرار لن يتحققا في تلك البلدان بدون وجود سلطة قوية توحد الشعب وتعامل كل مواطنيها بالتساوي.