في الأسبوع الماضي ووري الدراج الأميركي بيلي ستاندلي (82 عاماً) الثرى إثر مرض السرطان الذي تمكن من رئته وأزاحه عن الحياة، ولكن هذا الدراج الذي تناقلت كل وكالات الأنباء خبر موته، كان يخطط قبل وفاته حين كان ينتظر لحظة القدر كي يخط الحرف الأخير من حياته، أن يغادر هذه الدنيا مع دراجته النارية التي ارتبط بها عاطفياً منذ عام 1977، ولذلك طلب من أبنائه وأصدقائه أن يعدوا له قبراً يتسع له ولدراجته، وتابوتاً يجمعه بدراجته وهو جالس عليها في وضعية القيادة، وكان له ذلك حيث شيع في موكب من أصدقائه الدراجين وعائلته، ودفن محنطاً في وضعية القيادة. يعبر هذا الفعل القوي والصادم في مشهديته، عن الارتباط المتنامي في العصر الحديث مع الآلة، وهو ارتباط تفرضه الحاجة الاستهلاكية في أحايين عديدة، حاجة أصبح من الصعب بل من المستحيل التخلي عنها في طوفان المنافع، لكن هذا الارتباط أخذ صبغة عاطفية في مثل حالة بيلي ستاندلي، نظراً لما للدراجة من سحر خارق عندما تكون العلاقة معها خارج المنفعة الضرورية، مثل استخدامها كوسيلة مواصلات فقط تنتفي الحاجة إليها مع انتفاء الغاية، فالدراجون الحقيقيون يقدرون كثيراً ويعرفون مدى مصداقية الشعور الخارق والاستثناء الذي أدى ببيلي إلى أن يدفن مع دراجته. لم يكن بيلي شخصاً مستوحشاً ولا عدائياً ولا انطوائياً، وهذا ما يشير إليه أبناؤه الذين ارتبطوا به بعلاقة جيدة حتى أنهم تكفلوا بتنفيذ وصيته نظراً لمعاملته الجيدة لهم.. مما يعني أنه لم يكن في عداء مع الجنس البشري وهو الأمر الذي يؤدي بالكثيرين في العصر الحديث إلى تعميق علاقتهم بالحيوانات، مثل الكلاب التي تعد صديقة الإنسان الأول واستمرت صديقة له، وذلك ليس داخل المنفعة فقط، وإنما تطورت العلاقة لتصل عند الكثير من الناس إلى مرتبة العلاقة مع الإنسان بل وأكثر من ذلك. فالعلاقة مع هذه الآلة التي تدخل حيز الشعور لدى الإنسان، باتت تتنامى وتختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يعتبر سيارته صديقة أو حبيبة، ومن يعتبر هاتفه النقال أعز أصدقائه ومن يرى في جهاز الكمبيوتر عالمه الخاص والمحبب، أي أن الآلة بجميع أشكالها تتأنسن ولم يعد النظر إليها كقطة من الحديد أوالبلاستيك أو الألمنيوم أو حتى الفضة والذهب. فالسينمائيون قدموا الكثير من الأعمال السينمائية التي أنسنت الآلة في رؤى خيالية، تصل في بعض الأعمال إلى حد أن الآلة عند تعرضها لحادث تنزف الدم، كإمعان منهم (السينمائيين) في أنسنة الآلة. ولكن رغم كل تلك التفسيرات، يلح سؤال لماذا قرر بيلي أن يغادر الحياة مع دراجته، وهو في وضعية القيادة؟ ماذا ظن أنه سيكتشف؟ هل هو العشق الذي يصل إلى درجة الأنانية؟ ولماذا لم يفكر بيلي طالما أنه أنسن دراجته في أن لها الحق في أن تستمر في العيش؟ لماذا لم يعتقد أنه قد قبر الآلة التي عشقها لمجرد الهوى الذي اعتقد أنه يستمر بعد الموت؟ وعلى الرغم مما تشكله النظرة المختلفة للأشياء والتي يتميز بها كثيراً الشعراء وكتاب الأدب والحالمون، وعلى الرغم من مشاعر المحبين والعشاق، وعلى الرغم من كل مشاعر بيلي تجاه دراجته، تبقى أمنياتنا بأن يحدث الأجمل لمن نحب، هو كل ما نرجو، وحين نغادر الحياة بالتأكيد لا نريدهم أن يغادروها معنا، بل أن يستمروا في العيش وبشكل جميل، والآلة حين نؤنسنها تبقى هي أيضاً تلقى ذات الأمنيات بأن تستمر في العيش بحب وجمال. saad.alhabshi@admedia.ae