ما بين غريزتي الحياة والموت، يضرب الحب أوتاده، إن مات هذا وتحول إلى خواء، ذهب الإنسان إلى اللاشيء.. الأديان والفلسفات سعت إلى الخلاص من الخوف وإلى بناء صرح الحب، متيناً رزيناً رصيناً أميناً، لتبقى العلاقة ما بين الإنسان والحياة، علاقة ثقة وتبادل امتيازات. في الإنجيل، المسيح عليه السلام، فقد عزيزاً، صديقه اليعازر، وبكى عليه بكاء مراً، ولكنه آمن بقدرة الحب على هزيمة الموت، فمنحه الله قدرة إحياء الموتى، فاستعاد من أحب، متخلصاً من عقدة الخوف الأبدي. ولكن البشرية، بفعل جبروت الفطرة، لم تزل تواجه عقدة الخوف بالتحرر، وتقابل الموت بالنكوص وقتل الآخر، تشبثاً بالذات المتزمتة. اليوم تتوسع دول على حساب دول، تكتسح الحدود وتستعمر وتدمر، ويتضخم الأفراد، يسعون إلى مزيد من القدرات والنفوذ، مشاهدين سيوف الدمار، وإفناء الآخر، تحت ذرائع وحجج لا تعد ولا تحصى، تارة تحت رداء الدين، وتارة أخرى خلف لباس الحرية، والأوصاف والنعوت تتعدد، والمعنى واحد هو إعلاء صوت الموت على صوت الحب، ما يدفع بالبشرية إلى مزيد من التصادم والتفاقم، والتجهم، والتبرم، والتعتم، وتوسيع دائرة الجريمة، حتى لم يعد مكان في العالم يخلو من هدير مدافع القتل والفتك والهتك وإغراق العباد والبلاد بسيول من الدم. هي كلمة واحدة تزيح عن كاهل البشرية كل هذا الظلام والإجرام، والاحتدام والاستسلام لغريزة الموت. الحب فضاء أوسع من تأملات ما يفضيه الموت من نظرة سوداوية إلى الحياة، ووعورة مشاعر وخشونة إحساس، وعواصف ذاتية تحيل الحياة، إلى غابة تحرسها ذئاب متوحشة. ولن تستطيع كل نظريات الكون وعلى مدى التاريخ الفلسفية والعلمية، أن تجلي عن كاهل البشرية هذه العتمة الظالمة، ما لم يتكشف للإنسان أنه بالحب يتجاوز ذاته وبالحب يرتب أثاث مشاعره، وبالحب لا ينحني للرغبة العدوانية تجاه الآخر، وبالحب يكتشف الإنسان مدى الخدع البصرية التي ترسمها ذات محتقنة، وبالحب يضع الإنسان أصبعه على موضع الجرح التاريخي منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، أن العدوان على الآخر هو عدوان على الذات وبطريقة دائرية، تعود السهام إلى القاتل ولو بعد حين، لأنه ما من مجرم يفتك بآخر إلا وقد خسر جزءاً من ذاته ألا وهو الحب عندما يموت الحب، يموت الإنسان جسداً ولو تحرك جسدياً، أو أبرز أسنان الظفر على الآخر. فتبقى هناك ذات ميتة لا ينفع معها التخلص من الآخر كي يعيش الإنسان. الحب ذلك، الكائن الأسطوري، السطوة الداخلية التي تحيي وتميت، ولو تخيلنا صورة القتلة، لو راقبنا المشهد أمامنا اليوم، سنرى القتلة أمواتاً يمشون بالريموت كونترول، تحركهم فقط رائحة الدماء المسفوحة على الأرض.


Uae88999@gmail.com