التباسـات الوهـم
يرد على لسان بعض من الشعراء قول '' امرأة الشاعر'' وتوصف بأنها المرأة الحلم والتي في كل سيرة حياتهم لا تتحقق ولا توجد مطلقا، حتى عندما يوشكون على الموت، يبقى الحلم بهذه المرأة·· وربما يتنقلون من علاقة إلى علاقة ولا يجدون هذه المرأة وكثيرا ما يتفاخرون بقول ''نساء الشاعر''، وهذا تعبير عن النساء اللواتي دخلوا معهن في علاقات غرام·
لكن كيف هي هذه المرأة ما هي صفاتها وخواصها؟
هل هي ملاك أم شيطان، هل هي طيف أم رياح وعواصف، هل هي الغواية، أم السكينة أم الإلهام؟
في علاقاتنا الإنسانية نبحث دائما عن الصدق وعن الجنون الجميل والرؤية المختلفة والحوار الذي يفتح أفق الأرض والسماء·
وكذلك هو الأمر في الحب يبحث الطرفان عن التجديد الدائم للهواء والكلام، يحققان المختلف ويخفق قلباهما بالمشاعر العذبة، الحب يحقق لهما السعادة ويدفعهما إلى تَلمُس الثانية والدقيقة والساعة واليوم والأيام، تَلمُس الزمن والإحساس الذي يروي الشعور وحديقة الورد التي تسكن بينهما ويمرحان فيها كفراشات الجنة بالابتسامة والضحكة، بالدفء والحضور الفاتن وعدم السكون عند العادي والتقليدي في الحضور وفي رؤية الحياة·
هذا شيء من المستويات المدركة في العلاقات الجميلة، إلا أن تلك الفئة من الشعراء يصرون في تكرارهم عن علاقة مختلفة مغايرة لهذا الفهم مع المرأة، والتي يحددونها بقول ''امرأة الشاعر''، فيما هي منطقيا من المفترض أن يقال عنها الحبيبة·
ومن الطبيعي أن تفشل العلاقات العاطفية ولكن تكرار الفشل مع إناث لا يمكن أن نقول عليهن نساء الشاعر، كما لا يمكن أن نقول إن هناك امرأة للشاعر·
ومن كلام مثل: ''امرأة الشاعر'' أو ''نساء الشاعر'' يطل الفهم الذكوري المترسخ في الكثير من الشعوب التي لم تستطع بعد الخروج من مستنقع الفهم للعلاقة بين الذكر والأنثى، حيث يتم تفضيل الذكر على الأنثى، ذلك الفهم القديم بقدم الإنسان والذي مازال يحمل حواء الخطيئة الأولى، وهنا يتورط الشاعر في هذا الفهم عندما يصر بأن هناك امرأة للشاعر، حيث عندما نستخدم كلمات مثل امرأة الشاعر ونساء الشاعر، فإننا نتحدث تماماً عن الملكية مثل سيارة فلان أو بيت فلان الخ··· فهل يريد الشاعر أن يمتلك امرأة ليكرر ويمارس ذات الاستعباد للمرأة في المجتمعات التي لم تر نور الحرية الاجتماعية بعد، حيث سلوك الوأد تحول إلى استعباد مغلف بقيم وتبريرات مضللة؟!
لماذا لا يقول الشاعر المنتمي إلى تلك الفئة إنه يبحث عن شريكة جميلة هي الحبيبة؟ ولماذا لا يضع نفسه في خانة المنتظِر لأنثى تبحث عنه ليكون شريكها الجميل، أي الحبيب؟!
***
إن المشاعر البشرية ليست حكرا على الذكر، إنها مشاعر تتعلق بالإنسان الذي هو أنثى وذكر، وإننا نتسامى بأرواحنا عندما يكون هذا الفهم هو منطلق وأساس علاقاتنا، سواء في القرابة أو الصداقة أو الحب وكذلك في أدائنا وفي إبداعنا في الحياة·
لقد ظهر على مدار التاريخ ومازال، شاعرات مهمات إلا إننا نجد ومع الأسف هناك من المثقفين والمبدعين يريدون أن يحتكروا الإبداع على الذكر ويولوا إمارة الشعر والفن والتشكيل والموسيقى وكل شيء جميل للذكر، فيما كل الجمال هو فعل أنثوي في الأساس·
إن الوهم مازال طاغياً على الحياة في مجتمعاتنا، إنه الوهم السلبي الذي يرى أن الحقيقة هي الذكر وأن كل شيء يجب أن يسود للذكر وأن على المرأة الخضوع والتبعية لأفكار وقيم أوجدها هو بناء على أيدلوجيات مريضة، لا تستطيع أن تؤمن بالتعايش بين الإنسان الذي هو أنثى وذكر قبل أن يكون حضارات وتقاليد وبلاداً وأيدلوجيات·
***
في حياتنا مازال هناك خلل ضخم في التعاطي بين ( الأنثى والذكر ـ الذكر والأنثى)·· خلل مازال يعمق منذ البدايات ويساهم فيه الذكور بجميع أطيافهم، حتى المتنورين منهم وكأنهم مازالوا يحملون ذلك الخوف نفسه الذي انتاب سيدنا آدم بعد الخروج من الجنة، وظنهم أن الغواية مازالت سببها أمنا العظيمة حواء، على الرغم من أنه قد تم نفيهما من الجنة، ولا اعرف مما كل هذا الخوف ( من الطرفين) بعد الخروج وهم الآن يرثون الأرض ويمعنون في التخريب؟!!
saadjumah@hotmail.com