الحلّة الجديدة في وسائل الإعلام يجب أن تكون أفضل بشكل لا لبس فيه. وعندما تنقسم الآراء جداً لدرجة تفضيل كثيرين الحلة القديمة، فهذا يعني أن ثمة مشكلة في الجديدة لدرجة حرجة. قبل بضع سنوات، كان التجريب في المواقع الصحفية على شبكة الإنترنت لا يزال مشروعاً، ولكن بعد مرور نحو عشرين سنة على بدء ظهور مواقع الصحف العربية لم يعد مقبولاً، لا في التصميم الفني للمواقع، ولا في نظام التشغيل أو لوحات التحكم ونظام إدارة المحتوى. حتى القراء الذين كانوا يزورون “أي” مواقع عربية موجودة على الشبكة على سبيل الاستكشاف، تكوّن لديهم رأي وباتوا قادرين على التمييز بين الغث والثمين. ويفترض بذوي الاختصاص، من مُصمّمين ومُبرمجين، وصحفيين، وخبراء في الإعلام الجديد، أن يكونوا خلصوا بدورهم إلى جملة من القواعد والملامح الرئيسة المقبولة لإنشاء أو تجديد المواقع الإخبارية العربية، خاصة التي تعود لصحف عريقة لا يجوز “إهانتها” في العصر الرقمي. طبعا، لا نطالب بمعايير أكاديمية أو شروط مهنية صارمة، فقط بضع قواعد تصبح بفضلها مواقع هذه الصحف العريقة، على الأقل مقبولاً بالحد الأدنى. صحيح أن تحديد عوامل نجاح لا خلاف عليها لا يزال يحتاج لكثير من الوقت، مقارنة بما مرّت به الصحافة من تجارب تاريخية سبقت بلوغها لاحقا مرحلة النضج الذي أفرز مخزوناً نظرياً وسلوكياً فرض تعليم الصحافة في المدارس والكليات والمعاهد وطورها وأخضعها لنقد فكري وتحليل سياسي واجتماعي شامل. صحيح أيضاً أن وتيرة التغيير في الإعلام الجديد وفي ثورة التكنولوجيا تدفع للخشية أحياناً من التسليم بوجود عوامل نجاح ثابتة لأن إمكانية حدوث تغييرات جديدة غداً قد تنسف العادات الحالية واستنتاجاتها وتفرض البدء من جديد. لكن الصحيح أيضاً، أن مواقع الصحف العريقة في أماكن أخرى من العالم لم تعد تنتظر كل ذلك، بل كسرت القيود التي ما زالت تكبّل مواقع الصحافة العربية ومثيلاتها وتجعلها عاجزة عن التفكير أبعد مما كانت عليه قبل الشبكة العالمية وقبل الإعلام الجديد. والصحيح أيضاً أن مواقع الصحف العالمية قد خرجت من شرنقة القلق على الموارد المالية البديلة، وانطلقت متحدية المستقبل ومؤمنة بـ: - أن الصحافة باقية، مهما كان أو سيكون عليه شكلها ونوعها. - أن من أهم مقومات النجاح هو الاستثمار منذ الآن في البشر والتكنولوجيا والتعليم والتدريب، حتى لو اقتضى الأمر بيع أصول وتسييل أسهم وفتح خزائن وربما الاستعانة بقروض. - أن الرواد سيكونون أقدر على تحديد مستقبل الصحافة ومستقبل عالم الإعلام والمعلومات، أي كل العالم، في حين أن الآخرين سيبقون من التابعين. لا شك أن الحديث عن التابعين يذكرنا بالشكاوى العربية المزمنة من التبعية الإعلامية والثقافية، بل والحضارية المستمرة منذ بضعة قرون. ومن غير الواضح بعد متى ستخرج الصحافة العربية من هذه القيود والخوف وتخرج من التجريب، وتنطلق باحثة عن مستقبلها الرقمي من دون الدوران المستمر في دائرة تقليد. barragdr@hotmail.com