في فيلم للمثل الأميركي توم كروز بعنوان “تقرير الأقلية”، وهو طبعا ليس الفريد من نوعه في عالم السينما الهوليودية، يقوم فريق من الشرطة بينهم كروز بمكافحة الجريمة من خلال القضاء عليها قبل وقوعها وفي ذلك يتم استخدام وسائل متطورة جدا في الكشف عن الجريمة قبل وقوعها، وهذه الوسائل خيالية بالتأكيد، تعتمد على ما يمكن أن نطلق عليه محاكات المستقبل أو تصور المستقبل للقضاء على الجريمة قبل وقوعها. وفي عالم الأدب هناك العديد من الروايات التي تشتغل على كشف الجرائم ومن أهم كتاب الأدب البوليسي هي الكاتبة أجاثا كريستي التي كتبت العديد من الكتب في هذا الحقل؛ وهنا أتذكر لها رواية بعنوان “جريمة في العرق” قد أصبتِ بالحمى بمجرد الانتهاء من قراءتها في غضون ست ساعات متواصلة، ومنذ ذلك الوقت في مطلع الثمانينات توقفت نهائيا عن قراءة كتبها. ومن أعظم الروايات في القرن العشرين رواية “اسم الوردة” للإيطالي العميق والرئع امبرتو إيكو، حيث يبحث المحقق غوليالمو في جريمة ويقوده تحقيقه إلى كشف عوالم خارقة شكلت عملا روائيا استثنائيا لإيكو. ومن الروايات البوليسية السلسة برغم انتقاد امبرتو إيكو، السلبي لها، رواية “شيفرة دافنشي” لدان براون، لما تقدمه هذه الرواية من طرح للعديد من التساؤلات. بين الجريمة في فيلم كروز والجريمة في الأدب، فارق كبير، ذلك لأن الفيلم كان يركز على جهاز شُرطي يكافح الجريمة في دولة ما، أما الأدب فيسرد قصاً روائياً ممتعاً للقارئ ويكشف تفاصيل وقضايا كانت مهملة أو محجوبة لأزمان طويلة. وهنا بين هذه المقاربة نتفق بان الدور الشُرطي لا تكمن أهميته في كشف خيوط الجريمة، حيث يقدم الأدب البوليسي في هذا الشأن المتعة للقارئ، فالدور الشُرطي الحديث كما يطرحه فيلم كروز يعمل على إحباط الجريمة قبل وقوعها، وهكذا يكون النجاح الحقيقي للجهاز الشرطي، حيث يشيع بذلك الأمن والأمان ليكونا متحققين على الدوام. في الصبا، حيث كنا نشاهد أفلام “بروسلي” بطل رياضة “التاكندو” كنا نعتقد أن كل ذوي السحنة الشرق آسيوية تمارس هذه اللعبة، وكلما رأيناهم في الشارع، برغم قلتهم في البلاد زمن السبعينات، ننظر إليهم بإعجاب ولم يراود ذهننا أبدا أن نمارس شقاوة الصبا بالدخول معهم في مشاجرات، لأننا ندرك أن ضربة واحدة بفن “الكاراتية” أو “الجيدو” أو “التاكواندو” سوف تشل حركتنا تماما، ولم نكتشف عبط اعتقادنا بهذه النظرة التي استقيناها من الممثل “بروسلي” إلا بعد سنين. هكذا تتشابه الأشياء منذ القدم وحتى يومنا هذا، تتعمم الأفعال حين تصدر من فئة أو طائفة أو جنسية، منذ العرب والفرنجة، منذ الاستعمار وويلاته وخرابه ومنذ استرقاق البشر، كان ومازال يشكل الفعل العنيف والمؤذي ردة فعل اتهامية تعميمية على الجهة التي ينتمي إليها صاحب ذلك الفعل. سعد جمعة saadj mah@hotmail.com