الجيران فاكهة الحياة حين يكونون من نوعية أولئك الذين يفتقدونك إذا غبت، أو لم يسمعوا ضجيج أولادك من وراء الجدران أو لم يلمحوا سيارتك تمر أمام منازل الحي كل يوم وأنت في طريقك للعمل صباحاً أو مساءً وأنت في طريق العودة للمنزل، أو إذا لم تشعل أضواء السور قبل أذان المغرب، أو إذا لم تحمل لهم الخادمة التي تعمل عندك صحن طعام طهوته خصيصاً لهم لترد عليهم صحن الهريس أو اللقيمات الذي أرسلوه لك منذ يومين. الجيران الذين يسارعون بباقات الورد إذا مرضت، وبأطباق الشيكولاتة بمجرد عودتك من السفر أو العمرة، ويبالغون في احتفائهم بك إذا عدت من رحلة الحج المباركة. مع ذلك، فهناك جيران تعرف أنهم يسكنون في البيت المجاور لبيتك لكنك لا تعرف من هم على وجه التحديد، لا تعرف ملامح وجوههم ولا أسماءهم ولا عدد أطفالهم، لا تدري هل السيدة التي في المنزل لازالت فيه أم غضبت من زوجها وغادرت إلى بيت أهلها تاركة له البيت والأولاد، أنت لا تعرفهم لأنك باختصار شديد لا تراهم عادة حين يخرجون لوظائفهم صباحاً ولا حين يعودون مساء، كما أنك لا تسمع صراخ أطفالهم، كل ما تعرفه أن لديهم خادمة سيريلانكية تطرق بابك بين وقت وآخر بحثاً عن كرة الأولاد التي سقطت في فناء منزلك أثناء لعبهم. هذه صورة حقيقية لطبيعة الجيرة والجيران في أحيائنا السكنية، فالعلاقات التي تسود حالياً بين الجيران في الأحياء المختلفة تعتمد نمط علاقات وسلوكيات لم يعتدها جيل الجدات والأمهات اللواتي لازلن يمارسن حياة ما قبل التحولات في مجتمع الإمارات. هنّ لازلن منجذبات لتلك الأيام التي يعتبر فيها التواصل اليومي بين الجيران طقساً ضرورياً ودليل حيوية وعافية، وتمسكا بالدين على اعتبار أن الرسول أوصى بالجار. اليوم لا يخرج الناس من منازلهم الفخمة التي تشبه الحصون والقلاع، لقد تمترسوا خلف الأسوار مع جموع من الخدم وبعض الأصدقاء المقربين، حتى يبدو عدد الخدم في أحيان كثيرة ضعف عدد سكن المنزل، لم يعد التزاور طقساً حياتيا في الأحياء السكنية. لم تعد ترى امرأة تمشي من بيتها لبيت جارتها- إلا فيما ندر- سعياً للتواصل والثرثرة وكسر الملل وبحثاً عن ألفة صارت مفتقدة، فإذا حدث وشاهدت واحدة تمشي بين الأحياء، فلا بد أن تكون سيدة كبيرة السن لازالت تعتقد أن للجار حقاً وأن الزيارة ضرورة اجتماعية وأنها الحصانة النفسية الأولى ضد أمراض الوحدة والاكتئاب والعزلة. لقد انفرط عقد الجيرة بسبب الإهمال واللامبالاة وظروف العمل والانشغالات، وتحت وطأة ظروف التحولات والتنقلات التي حكمت حياتنا الاجتماعية حين اضطر كثيرون للانتقال عبر عدة منازل ما جعلهم- تدريجياً- يفقدون جيرانهم الذين اعتادوا الحياة معهم، وبفقد الجيران القدماء فشل الكثيرون في تأسيس علاقات جيرة عميقة ومتجذرة وحميمة؛ ما أدى لانكفاء هؤلاء داخل بيوتهم والاكتفاء بالتواصل مع المقربين من الأهل والأبناء عبر الهاتف أو الزيارات المتباعدة. إن التغيرات الاجتماعية والثقافية في تركيبة وبنية المجتمع قد أثرت في هذه العلاقات بحيث ولدت ظاهرة التباعد والقطيعة وخاصة في الأحياء الجديدة التي تأسست على جموع من القادمين من أحياء مختلفة لم تبذل أية جهة جهوداً من أي نوع لتجسير الفجوة بينهم وتيسير عملية التواصل من قبيل الأنشطة الاجتماعية في الحي أو حفلات التعارف واللقاءات مثلا، ولانعدام مراكز خدمية كحديقة الحي أو نادي الحي مثلاً. ayya-222@hotmail.com