أحداث مفصلية
لم تكن الشرطية التونسية فادية أحمد تدرك أن صفعتها في منطقة قصية لمواطنها محمد البوعزيزي ستكون شرارة لأحداث مزلزلة، زلزلت الأرض من تحت نظام أحكم قبضته بقوة على مدى 23 عاما في تونس، لتطيح به، وتعبر شرارة الصفعة إلى بلدان أخرى بدأت الأنظمة فيها تنفتح على مطالب التوّاقين للعيش الكريم.
صفحة من تاريخ لأحداث مفصلية تجدد الإشارة لقصة الصفعة في تاريخنا العربي من صفعة الجندي الروماني، التي قادت إلى فتح عمورية إلى صفعة فادية للبوعزيزي، الذي أشعل النار في نفسه احتجاجا على الظلم الاجتماعي، وفتحت الأبواب على إصلاحات بعض الأنظمة التي جاءت متأخرة، بعد أن طفح الكيل بشعوبها.
ذات مرة شهدت في قاعة المحاضرات بمجمع الثقافة والفنون في أبوظبي محاضرة للدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، وسئل في ختامها عن رؤيته للمستقبل في العالم العربي، فرد بدبلوماسيته المعهودة على السؤال بسؤال، قال إنه بحاجة إلى إجابة، ويتمثل في البحث عن دوافع شابين عربيين من شمال أفريقيا في انتحال شخصية صحفيين ويفجران نفسيهما في مزار الشريف ليقتلا قائد تحالف الشمال الأفغاني أحمد شاه مسعود؟. سؤال غادر معه القاعة ليشير إلى حاجة تلك المجتمعات لصون شبابها من الإحباط وغياب العدالة الاجتماعية.
اليوم الوطن العربي أمام مخاض جديد، مع اتساع دائرة أحلام شعوب العديد من البلدان فيه ببناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، ويتيح لكافة أبنائه العيش الكريم من وظائف ورعاية صحية وتعليم نوعي ينافسون به في عالم اليوم الذي بنت فيه دول فقيرة الموارد محدودة الإمكانات تجارب اقتصادية ناجحة، وأصبحت نماذج عملاقة يشار إليها بالبنان، فيما أهدرت أنظمة عربية مواردها وطاقاتها في افتعال المعارك وبددت قدرات شعوبها في مغامرات لم تولد إلا الإفلاس والعبث.
ما يجري فرصة لتدارك ما يمكن تداركه قبل أن تعم مناطق من عالمنا العربي الفوضى التي لن تكون”خلاقة” كما رآها أو أرادها البعض، بل ستكون فوضى وانحدار إلى هاوية بلا قرار، وأمامنا شاهد عربي صارخ يتمثل في غياب دولة عربية شقيقة هي الصومال من خريطة المشهد السياسي منذ أكثر من عشرين عاما؛ لأن “القائد الضرورة” في حينه لم يصغ لصوت شعبه الذي كان يئن من أوجاع الظلم. ورفض دعوات التغيير وآثر شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”، ومن بعده اجتاح الطوفان بلدان أخرى لا زالت تدفع ثمن الذين لم يكونوا يرون في المرآة إلا أنفسهم، ولم يدركوا مقدار عزلتهم إلا بعد فوات الأوان.
علي العمودي | ali.alamodi@admedia.ae