أين هؤلاء من هبات الخير ؟
مُنذ البدء، وحيث نشأت على أرض الخصب والحدب، أخذت هيئة الهلال الأحمر في بلادنا على عاتقها النهوض بالإنسان، ورفع الضيم عن كاهله، وقشع الغيم عن سبيله، ومدت يد العون والصون لكل إنسان أضنته الظروف وأعيته الصروف، حتى وصلت كواكبها المعطاءة إلى كل بيت وزقاق، وفرسانها يواصلون الجهد ويؤصلون العهد، وينسجون خيوط الحرير في المكان والزمان، إيماناً واحتساباً بأن خير البلاد يجب أن يعم، وأن يلم مشاعر الناس أجمعين في وعاء المحبة، وصحن الخير الجزيل.. وأمام هذا المد والجهد نجد هُناك حائطاً مسدوداً وسميكاً، يقف من ورائه رجال الأعمال والتجار والمؤسسات التجارية الخاصة، هؤلاء يتوارون ويتدارون، بل ويختفون تماماً عن المشهد الإنساني، وكأن لا ناقة لهم في ذلك ولا جمل، وكأنهم يعيشون في جزر نائية لا يسمعون فيها صوت الحق، حينما يقول إن تداعي الناس لبعضهم ومساعدة الغني للفقير، ووقوف القوي إلى جانب الضعيف، حتمية وجودية لا تستقيم الحياة من دونها، ولا يشتد عود المجتمع من دونها.
رجال الأعمال والمؤسسات التجارية الكبرى التي تغرف الملايين من هذه الأرض مستعينة بالقدرات المهيأة لأجلها، مستفيدة من الإمكانيات المسخرة من أجل تنامي الطاقات المالية لكل تاجر أو مؤسسة، كل ذلك متاح ومسخر من خدمات وبنيات تحتية لا يلقى أي رد للجميل، فالآذان صماء، العيون غشيتها غاشية، الأنانية وحب الذات، والسعي وراء المصالح الفردية، وكل من هؤلاء يقول «أنا ومن بعدي الطوفان».
للإمارات حق، ولشعبها حق، على كل مواطن أو مقيم مقتدر وهم والحمد لله كثر في أن يتقاسموا رغيف العطاء مع هيئة الهلال الأحمر، كما شاركوا، ويشاركون أبناء هذه الأرض في كل ما يقدم من خدمات وتسهيلات تسهم بشكل فاعل وكامل في ارتقائهم عرش المال والأعمال.. فليس هذا استجداء، إنما هو واجب على هذه الشركات والمؤسسات، يمليه الضمير الإنساني، ويفرضه الواقع بأن من يأخذ لا بد أن يعطي، وناكر الجميل شجرة عجفاء لا ثمر ولا زهر فيها.. حب هذه الأرض سواء من مواطن أو مقيم ليس شعاراً نرفعه حسب الرياح حيثما تأتي، إنما هو فعل وقول يجب أن يمارسه الجميع، لنؤكد أن بحق وحقيقة نسعى إلى ترسيخ التلاحم والانسجام بين الخاص والعام، وليمضي الجميع باتجاه المواطن لأجل وطن يحلم بعتق الإنسان من أغلال العوز، وقيود الحاجة .
فرجال الأعمال مواطنون أو مقيمون جزء من هذا الوطن، وجزء من نسيجه الاجتماعي، الأمر الذي يفرض عليهم جميعاً، أن يقوموا بتلبية حاجة المحتاجين، والاستجابة، لدعوة النبلاء من أبناء هذا البلد، وهيئاتها الرائدة، والقيام بهبة إنسانية راقية، ومشاركة الأوفياء في هباتهم من أجل الوطن والناس ومن أجل الوفاء ورد الدين.. فهذه مسؤولية اجتماعية الالتزام بها طوق في أعناق الجميع.
علي أبو الريش | marafea@emi.ae