تستطيع أن تفرق بين المضطرب والمستتب في الظروف غير العادية، فلو وقع شجار بين شخصين تعرف من منهما الأحمق ومن هو الرزين، فالأحمق لا يشكم غيظه ولا يلجم غضبه ولا يحكم تصرفاته ولا يلثم شفتيه عن السباب والشتائم، بينما العاقل الرصين لديه ما يختم الشجار بكلام يسكت النفس الأمارة بسلاح نفس لوامة، قادرة على معالجة الظروف الصعبة والحرجة بأدوات سلوكية زاهية ومزهرة.
ولو اختلف رجل مع زوجته وكان أحمق فإنه سيستخدم سلاح القوامة باضطراب واحتراب واستلاب ويتحول إلى وحش كاسر يغيب في غابة تضوره كأسد ضروس لا يرحم، ولا يحلم، ولا يفهم، ولا يتكلم، إلا بلغة ذكورية فجة وسمجة تحطم المشاعر وتدمر الخواطر وتحول العلاقة بين الاثنين إلى مساعر حامية الوطيس.. كما أن لو اختلفت زوجة عصبية مع زوجها فإنها تشعل النار في الدار وترعد وتزبد وتهدد وتتوعد وتكبد الأسرة خسائر عاطفية جمة وبلا رحمة.. ولكن لو امتطى أحدهما صهوة الحلِم فإن الحوار يصير مداراً لاستخلاص العبر ومساراً لخلق علاقة جديدة تتجدد معها المشاعر وتتحول القلوب إلى واحة خضراء تزهر بالكلام الملون بألوان الفرح.
ولو قام قائد سيارة بقيادة مركبة تحت جنح الضباب وهو الممسك بشظايا الحماقة، فإنه سيطوي الشارع طياً بسرعة تفوق سرعة الضوء ولن يعبأ بالأخطار التي قد تدهمه ولن يلتفت إلى ما قد يسببه للآخرين من كوارث وفواجع ومواجع لأنه أحمق ولأنه كائن تخلص من الدماثة وتحرر من أخلاق الرزانة والرصانة ولا يفهم أن الروح البشرية أمانة في عنق كل إنسان وأن قذفها في جحيم المهالك جريمة لا تغتفر.
فالأحمق قد يفرط بنفسه وبغيره وقد يهدر أجمل العلاقات الإنسانية، وقد يجني على أبرياء وقد يرتكب جريمة نكراء بحق أناس هم في أمس الحاجة إلى حلمِه ووداعته وطاعته، الأحمق تختلط كل الألوان في عينيه، فلا يرى غير اللون الأسود، الأمر الذي يجعله يستنكر وجود الأبيض في مكان ما أو محيط ما، لأنه لون غريب، مهيب، مريب، عجيب، يستفزه كثيراً ويثير غضبه دائماً، ويزعجه عندما يراه وكأنما يرى كائناً غريباً لم يره من قبل.. الأحمق هكذا يرى في الجَمال قبحاً، وفي الاطمئنان قيحاً، لأنه استقر على قبح الأخلاق والتصرفات.. وفاقد الشيء لا يعطيه.. ولكل امرئ من دهره ما تعود.


Uae88999@gmail.com