.. خذوهم بالصوت !
حدثني صديق عاد من كندا مبهورا كيف يعشق القوم هناك الهدوء والسكون في المسلك والكلام، ومع ذلك بلغوا من الرقي والتقدم ما بلغوا، وكيف نعشق نحن الأمة- التي دمغنا أحد مفكريها بأننا مجرد ظاهرة صوتية -الى درجة الادمان على رفع الصوت والصراخ، مع زملائنا في العمل، مع أفراد أسرنا، ومع كل من تقودنا الصدف للتعامل معه·
يقول هذا الصديق الذي كان في مهمة خاطفة الى تلك البلاد، في بعض الاحايين كان ينتابني شعور بالصمم، بينما أسير في شوارع مونتريال،حتى خيل لي أن سياراتهم بلا أبواق! وأسهب في الانبهار وهو يحدثني عن مطعم راق صحبه إليه مضيفه، فقال ما أن تلج ذلك المطعم حتى يثبت كبير الندل ''ميكرفونا صغيرا'' عند عروة قميصك، وصل لاسلكيا بسماعة في أذن النادل المسؤول عن خدمتك ، وأي طلب يتم عبر هذه الوسيلة بعد أن تحدد له رقم طاولتك، من دون زعيق او رفع للصوت، وختم إسهابه قائلا اعتقدت وأنا في ذلك المطعم أنني في صومعة للتنسك والتأمل ·
وذكرني انبهاره ذلك بصديق آخر من عشاق الضجيج والزحام والسهر، حل ضيفا على شقيق له كان سفيرا في عاصمة أوروبية، وأراد سعادة السفير أن يحتفي بشقيقه فصحبه الى مطعم على مستوى سعادته، ومن شدة السكون والهدوء في المكان، لم يملك الضيف إلا أن سأل شقيقه ما إذا كان قد اصطحبه الى مجلس عزاء قبل أن يمضيا الى المطعم المقصود!!·
تساؤل يكشف درجة الصخب والإزعاج ورفع الاصوات التي اعتاد عليها البعض، لدرجة التلبس وبصورة لا يمكنهم التخلص منها· زميل من هواة''التنظير'' و''التفلسف'' أرجع هذه الحالة لشعور أصحاب الاصوات المرتفعة بالقمع والإحباط في حياتهم اليومية، وبالتالي لا يجدون وسيلة لتجاوز ذلك إلابالصوت المرتفع والزعيق، بما يزعج من حولهم بصورة لا تطاق· والقضية كم نحتاج لتأهيل أمثال هؤلاء ممن يؤمنون بنظرية''خذوهم بالصوت''، كي يعتادوا الحياة والعمل والإنتاج بهدوء !!·