عادة ما توجد جثث المسحورين مرمية بقرب الأفلاج أو في السكيك الطينية أو تحت شجرة الأشخر الوحشية، وهي مبقورة البطن أو منزوعة الكبد أو خالية من الأحشاء الداخلية، فالسحرة لا يقربون اللحم.
كانت شروط قبول الدخول في سلك السحرة تتطلب أن يقف الرجل عند طلوع الشمس، ويتبول في وجهها ساعة إشراقتها الأولى، بعدها يضحي بقربان من أهله منتقى، ومختار من جانب كبيرهم الذي علمهم السحر، ليلة العمادة وارتداء زي طقوس الليل النيلية أو المصبوغة بالورس الخردلي أو الزعفراني، تكون بمثابة استدعاء لكل الجن، والسحرة والمسحورين وسكان الأرض التحتيين، ليلتها يطعم كبيرهم قطعة صغيرة من كبد القربان وقلبه، بعدها توزع أحشاءه قطعاً صغيرة بقدر ما توسد ناب المدعوين الأزرق.
في غابة نخيل العين كانت هناك نخل متطرفة، ووحشية ذات أشواك طويلة، وخضرتها مغبرّة، لا تطأها قدم، فرطبها يتيبس في أمهاته، وصاحبها حياة بن مسعود فزعته الأصوات والصريخ الآدمي المتألم، والخارج كألم طفل لم يكبر، كان الأهالي يروون أن بن مسعود ترك نخله، لكن الجن لم يتركوه، فبقى حبيساً مشلولاً في بيته حتى مات من صريخ الليل، أولاده اليتامى حلفت عليهم أمهم أن لا يقربوا النخل ما دامها حيّة ترزق.
غدت تلك النخل سبيلاً للقادمين الغرباء الذين لا يعرفون شيئاً، يدخلونها ويأكلون من ثمرها حتى يكتشفوا ثمرها المرّ أو يروا تلك الخيالات لأشخاص يظهرون في مشهد ضبابي أو يتقافزون بسرعة أمام العين أو يعرفون من بعض الأهالي حكايات تحاك حول تلك النخل الملعونة، صارت مرتعاً لكلاب المقابر الضالة، ومرمى لأحجار كثيرة تلقى فيها، وروائح غريبة تنبعث منها بين الحين والآخر، لم يقدر الأهالي أن يميزوها، فعزوها إلى أكل الجن التهم الذي يصنع بلا ملح، وبعضهم ردّه إلى عرق السحرة الذي يبقى عالقاً في المكان لثلاثة أيام بلياليها.
استقر في تلك النخل رجل قيل إنه قدم فجأة من جبال الحجر في عُمان، ومرة قيل إنه قدم من الغبّة الزرقاء لائثاً على خشبة إلى أن التقطه أحد البحّارة على شاطئ الباطنة، كانت رجلاه محطمتين وتشبهان سمكة نافقة، من يومها سيلتصق به اسم الحطيم، ولن يعرف له اسم يسبقه أو يلحقه، وسيعتاد على التعكز على مشعاب من شجر السمر سيكون مساعده على المسير، وعلى اتقاء الشر. حين كان يسرد قصته على الناس يبدأها منذ أن وجده الباطني لائثاً على خشبة، لاهثاً على الساحل ينزف وجلده منتفخاً، ومبرراً من الماء المالح، لكن بعض من يتسامر معهم، يسرب قصصاً عنه، وعن حياته الأولى، بعضهم قال: إنه حين كان ينام، ينام كالثور، ويهذي بأمور لا يعرف الأهالي معاني لها، كالتهريب واللنشات وسبائك الذهب، وسوق البانيان في بمبي، وكلمات خليط من الأردية والفارسية والسواحلية.
amood8@yahoo.com