القمة الحكومية
تغازل الإمارات المستقبل وتستحوذ على أفكاره التي يوظفها قادته المبدعون في خدمة البشرية والإنسانية، وما تتطلبه منظومة القادم من بعيدٍ وقريب، مقتحماً حدود المستحيل وظرفي الزمان والمكان. لقد كانت القمة كالعرس جمعتنا بأشخاص نسجنا معهم شبكة التواصل وجددنا العهد على المضي قدماً تعزيزاً لروح الفريق والتعاون. كما عبرت عن منهج متميز منفرد جمع بين القديم والحديث والمبتكر، وهذه تركيبة دولتنا التي تبشرنا بالخير دوماً وتفرحنا ونتوق لفدائها وخدمتها، وقد تجلى لحضور القمة ذلك، فعندما ترجل الفرسان وأصبحوا أمام أعيننا لم يُعدوا للحديث أو يستعدوا له بأي طريقة، سوى أن باحوا بما تكنه سرائرهم وما تحتضنه قلوبهم وقرؤوا ما أملاه عليهم الضمير. وكان الحديث جميلاً عميقاً يرسخ رسالة حب يفهمها شعب الإمارات جيداً، فهي ما جعلته أسعد شعب وأجزم بأننا أيضاً أكثر شعوب الأرض وفاءً وولاءً لوطننا، فالإمارات وطنٌ يسكننا قبل أن نسكنه، وهو الذي ينظر من حوله فلا ينام بل يتحاور مع الفقر والعوز والحروب والعدالة الإنسانية، والكوارث الطبيعية والعاهات الخلقية والتشرد والدمار الجزئي والشامل. لقد تجاوزت تجربة الإمارات نظريات الوحدة التي عرفها العالم، وأتمنى من الباحثين النظر في هذه الظاهرة وتدوين خصائصها الاجتماعية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية، حتى تكون من خصوصياتها نظرية جديدة يأخذها المُنَظرون في هذه المجالات بعين الاعتبار. فالمقاييس والمعايير التي تبنتها القيادة الرشيدة ستمضي بنا في فترة وجيزة، بقفزة نوعية من الحاضر إلى المستقبل في مساحة ومسافة لا نشعر فيهما بعناء، فيكون ذلك كما يذوب السكر في الماء.
لقد سلحتنا كلمات قادتنا بالشجاعة وبلوغ القمة بعد توظيف الهمة، وتذكرت أبياتاً للمتنبي:
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ... فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ... كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني... ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ.
وبينما كانت في عصفٍ ذهني، جلست في إحدى الجلسات التي سار مُحَضِرُها وهو من المتميزين في مجال عمله التقني، يُناورُ بين التردد والشجاعة ويترك الاختيار لمستمعيه فتارة يردد أبياتاً للسان الدين بن الخطيب «فَجَاوَبَتْنِي وَدَمْعُ العَيْنِ يَسْبِقُهَا... مَنْ يَرْكَبُ البَحْرَ لا يَخْشَى مِنَ الغَرَقِ»، وتارة أخرى يقارنها بأبياتٍ للشاعر السوري نزار قباني «لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً. ما أبحرت». فقلت له في خاطري: اللي يبا الصلاة ما تفوته، وهناك من يعلل تقاعسه بالمثل الشعبي «دميت كلني السمك وغفيت كلني الطير»، ولكن السعي إلى القمة يحتاج بسالة، وشجاعة، وشق طريق، وإبداعاً، وشغفاً، وولاء للوطن.
للعارفين أقول، رحم الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وطيب ثراه وحفظ أبناءه الكرام، لقد أصبحنا أكثر إصراراً على الرقي إلى المركز الأول فلم نعد نهتم بأمورنا فحسب، بل ننظر إلى العالم كي يشاركنا السعادة ويمارس إنسانيته بكرامة تصون آدميته.
شكراً لجهود منظمي هذه القمة التي جعلت العالم يُغرد خارج سربه، ويرى أن ما يُنظر في بقعٍ ما منه، هو واقعٌ ملموسٌ في الإمارات.
bilkhair@hotmail.com