الفقر عاهة الشعوب، وآفة تجر الخطوب، وتعكِّر الدروب، وهو القاهر الماكر، يسلب الكرامة، ويسرق من الإنسان احتشامه.. ولا تتسلل الأيدي الخبيثة، ولا يتسلق وصوليّ وانتهازيّ إلا على أكتاف الفقراء، مستغلاً فقرهم وضعفهم وقلة حيلتهم وسوء حالهم، فينهض مارده ممتشقاً سيف المبادئ بشعارات أشبه بألوان الطيف، وكلما ازداد الفقر في بلد خضّ خضيضه، ورضّ رضيضه، واستعرت نيرانه، وتغضّن جبينه حادباً متسرباً بين الجموع، مصدحاً بالصوت الجهوري قائلاً: هيا إلى الفلاح .. هيا إلى الصلاح .. والمغلوب على أمرهم ينساقون بجدارة الشجعان الصناديد، متسلحين بالأمل بأن يعود الذي ذهب ويحصلون على شيء مما استلب .. عاطفة جياشة تجر خيول العاشقين الفارين من غياهب الفقر وويلاته ونكباته وذله وقهره، يسيرون باتجاه الشعارات يتبعونها مغمضين أعينهم، مادّين أيديهم، لعلّ وعسى، يصدق المدجلون وتنشق الأرض عن كنوز وفوز بجنة الغنى .. بعض السياسيين من السذاجة والغباء بحيث يدعون التُّرع الملوثة لكي تنمو في مياهها الغضة طفيليات وميكروبات ما جعل التربة خصبة لكي تتورَّم الشعارات وتنتفخ حتى تصير أكوام رمال ترهق صدور الفقراء وتمتص دماءهم ولا تقدم لهم غير الوهم.. بعض السياسيين يعتقدون أن الفقر ينيخ جمال الفقراء، ويجعلهم يتبعون ويطيعون ولا يعلم هؤلاء أي السياسيون أن هُناك على الطرف الآخر عند الضفة الأخرى عيون تشخص وتتربص تنتظر الفرصة السانحة للانقضاض والاستغلال، وخطف الناس جميعاً بطائرة نفاثة اسمها الطائرات الفاقعة.. هلع الناس وجزعهم من الفقر وأهواله لا يقطع دابره إلا اليقظة والانتباه إلى أن زرع الأحلام لا يكفي لاخضرار الأرض والتمني ليس دائماً طريق النجاة من نار الاستغلال الذي ينشره أصحاب الشعارات واليافطات العريضة، هُناك واقع وهناك حقوق لابد وأن تسقى بماء المكرمات حتى يتم سد الثغرات وكبح جماح من يريد أن ينسل في أحشاء النسيج الاجتماعي ويفرض واقعه الجديد، لغاية في نفس يعقوب.. فالانقضاضيون كُثر، والانتهازيون يتناسلون كالوهم والأوطان لا تحتمل الضدين.. خطر مدقع وانتهازي بغيض.. فلماذا لا نبتر يد الفقر حتى يختفي المغرض؟ .. لماذا ندع الورم ينتشر ويتفشى حتى يعجز الجسد عن تحمله ثم نصيح .. أين الدواء..
ما يحصل في العالم هو نتيجة خلل في التوازن ما يجعله أي الخلل فريسة سهلة طيعة للافتراس - والمفترسون كُثر، بل أكثر من حبّات الرمل - وأكرم الله خليفة المؤمنين علي بن أبي طالب حين قال: لو كان الفقر رجلاً لقتلته”.



marafea@emi.ae