كثيرة هي أدبيات التمسك بالحلم المتمثلة في أعمال روائية وقصصية وسينمائية وفنية، وتوجيهات تعليمية تربوية مختلفة على مدى التاريخ والعالم؛ نتحدث كثيراً عن وجوب التمسك بالحلم، على المرء ألا يتنازل عن حلمه، المرء النبيل المناضل في سبيل كينونته الخاصة، فيسعى هذا «المرء» سعياً حثيثاً لعله يبلغ من الحلم أغلبه إن لم يكن مجمله. تذهب الكثير من أوقات الحياة في «السعي» فتتغنى الأدبيات بفضيلة السعي. في مرحلة متقدمة من السعي، والذي قد يكون غير مجد جراء العوامل الخارجية، وهي قوة مؤثرة على الرغم من أدبيات «قوة النفس الداخلية»، يكتشف المرء أن الحلم ما زال بعيداً، وأنه ربما كان يسعى في الاتجاه الخاطئ، رغم ظنه أنه كان يسعى في كل الاتجاهات. لكن الاتجاهات تتحول، فالأرض كروية، وهو غير ثابت، فما ظنه ثلاثي الأضلاع يتضح أن له ضلعاً رابعاً لم يره، ونظن أن بصرنا يشمل الصورة كاملة، فنكتشف أن البصر يتجدد، فيرى أشياء مختلفة كل مرة ـ أو أن الصورة تتقلب وتتسع وتتطور. وأن ما كنا نظنه أمساً أصبح في لمحة عين «غداً»، وحين كنا نسعى لأجل «غد» نجد أنه صار «أمساً» ولم نفطن لمروره أمام أبصارنا. فنتحدث عن وجوب «الفطنة» للحياة أثناء عملية «السعي للحلم»؛ فإن لم تبلغ الثاني لا تعدم الأول. ثم تبتدئ الخشية تكمن حين تمضى اللحظات، وتنتبه أن ما حلمت به ربما لم يكن حلمك حقاً. ربما كان حلم أبيك، أو حلم العائلة، أو حلم المجتمع، والقبيلة، ربما كان حلم المنظور الجمعي الذي آمنت في قاع نفسك أنك به تفوز بالاعتراف. وربما كان العكس، ربما أردت فقط الهروب من هذا المنظور الجمعي. الهروب مما تراه أمامك ولا تجيزه نفسك. فتريد أن يكون لك صورة مختلفة، تسعى لبلوغها؛ لبلوغ ألا تكون على صورة غيرك، ولكن ليس لبلوغ صورتك، تسعى لكيلا تكون كما لا تريد، ولكن ليس كما تريد؛ تعرف ما ترفضه، وقد تنسى أن تعرف ما تقبله. وهنا حين تجد نفسك وقد تخلصت مما لم تحب، بلا بديل، تدخل في لعبة «الحنين» إلى ماضي كان لك رفيق درب، وبحكم الألفة والاعتياد تبتدئ رحلة العودة إليه. وهنا يأتي دور أدبيات «الرضا»، فما كان ما عاد بالإمكان ألا يكون. وهي الأقدار تأخذنا في مركب شراعي في بحر واسع متقلب الأمواج. والنهار يأتي بالغنيمة حين ينقضي، ولو كانت فقط سكينة ليل؛ وما خلف الجبل مجهول لا تعرفه، وما تعرفه أفضل مما لا تعرفه؛ والحياة تكمن في دفء المعرفة؛ ثم تفكر ربما كان من الأجدى لو توقفت في البداية لمعرفة نفسك أولاً، وما تلبث أن تتساءل برضا: ولكن من كان ليضمن «مدة الوقوف» والصمود النفسي في معركة المعرفة؟ فترتدي مسوح الحكيم في محاولة أخيرة لكيلا تهوي من حافة جرف. من قال إن الحياة سهلة؟. Mariam_alsaedi@hotmail.com