كاتِبٌ للإيجار
قديما قالت العرب: “قبّح الله الحاجة”. ثم أضافت: “لعن الله الشره”. وقديما كانت العرب تزدري الانتحال والمنتحلين. وقد حدثنا الجاحظ عن الحكم في شأن المنتحلين فأشار إلى أن المنتحل يوضع على مصطبة في السوق وتوضع بجانبه صحيفة تكشف حجم الانتحال تذيّل بعبارة “هذا من فعل هذا”.
غير أن اللافت اليوم في عالم التأليف والكتابة ليس الانتحال والمنتحلين بل تطوّع الكتّاب لتأجير أقلامهم وعقولهم بغية الكسب والارتزاق. عديدون هم الكتاب الذين احترفوا هذه المهنة. تحوّل الكاتب نفسه إلى سلعة معروضة للإيجار وتحوّلت مَلَكَة الكتابة إلى بضاعة تباع جهارا. غير أن قائمة المستأجرين للكتاب المعروضين لهذه الغاية قائمة متنوعّة تبدأ بالفنانات الشهيرات، وتتسع لتشمل مشاهير لاعبي كرة القدم، لتنتهي بالزعماء السياسيين ورؤساء الدول. أنْ يعرض كاتبٌ نفسه وقلمه للإيجار مقابل مبلغ مالي، كثيرا ما يكون مبلغا طائلا، جناية لم تمرّ دون عقاب.
يكفي هنا مثلا أن نتصفّح التعريف الذي يقدمه موقع يوكيبيديا الموسوعة الحرة Wikipédia l’encyclopédie libre على شبكة الأنترنت للكاتب الفرنسي جون فرانسوا كرفيان Jean François Kervéan، وهو من أوائل الكتاب الذين عرضوا أنفسهم للإيجار وسندرك أن العقاب لا يقلّ عن التشهير بالمنتحل على مصطبة في السوق. تعرّف يوكيبيديا جون فرانسوان هكذا: “كاتب وكاتب يوميات أدبية من أصل فرنسي. وهو بالأخص قد اشتغل عَبْداً عند كل من المطربة وعارضة الأزياء لُوانا Loana والمنشط التلفزي ميشال دروكار Michel Drucker والمطرب هرفي فيلار Hervé Vilard إذ كتب سيرهم الذاتية”. ولم يذكر إسمه أصلا. لكنه كسب مالا كثيرا. يحدّثنا جون فرانسوا كرفيان عن مراحل كتابته لسيرة المطربة لُوانا هكذا: “في صائفة سنة 2001، كان مطلوب مني أن أساعد لُوانا على أن تَلِدَ حكايتها قبل 15 أغسطس. أجّرت منزلا خاصا في سان تروباز. انتظرتها هناك أياما وأياما. أخبرني أحد معارفي أنها شوهدت في منتدى للرقص يقع بالقرب من المنزل. وأخبرني آخر أنها شوهدت في حديقة الحيوانات تتفرّج على النمور. ثم كان أنْ حطّت في البيت ذات ليلة وانخرطت في نوح طويل فيما هي تقصّ عليّ حكايتها. دوّنت الحكاية كلّها. فوافقت على كل ما جاء فيها. ثم وجد الكتاب طريقه للنشر. نلت على ذلك مبلغ 100 ألف فرنك فرنسي. إني أعترف أيضا أنها نالت أضعاف ذلك أكثر من عشر مرات. ذلك أن عدد النسخ التي بيعت فاق 120 ألف نسخة في فترة زمنية قصيرة”.
على هذا الدرب أيضا سار العديد من الكتاب ومنهم مثلا الكاتب الفرنسي برنار فيلار Bernard Fillaire حين كتب سيرة لاعب كرة القدم الشهير ليليان ثورام Lilian Thuram. صدرت السيرة في الرابع عشر من يناير 2010 تحت عنوان “نجومي السوداء”، ولاقت رواجا منقطع النظير. وطوبى للمستأجر والمؤجّر والإيجار!