سمعنا قبل أمس وأثناء انقطاع الكهرباء في دبي، من المذيعين والمذيعات لفظة دبي، بثلاث تشكليات دِبَيّ، دوبايّ، دْبيّ فحدثت ربكة للأذن، واحتار المستمع والزائر، فلا يدري ما هو لفظها الصحيح؟ كذلك الأمر بالنسبة للنشء الجديد، وحدنا نحن الذين كبرنا، لا تقلقنا المسألة بقدر خوفنا على ألسنة الجيل القادم، والأمر ينجر على كل المسميات المحلية، التي لا بد وأن يوضع لها قاموساً لفظياً، مثلما تفعل الشعوب المتحضرة، في توحيد ألفاظ وكتابات المسميات والمناطق والمواقع الجغرافية، والجمع على رسمها الحروفي الموحد في الخرائط الرسمية المستعملة، معتمدين على لفظ أهل البلد، لأنهم أدرى بشعابها ووديانها، فمنطقة مثل: محوي، تكتب محاوي، والبعض يلفظها محاوي، والقدامى يلفظونها محوي، لأن المنطقة لو نظرت إليها من عل، أو تبصرت في شكلها الجغرافي، فستجدها مثل محوي الأبل·
لقد تعرضت مرة بالنقد لكتاب أصدره الكاتب سمير عطا الله، عن دار الساقي في لندن، وكان بعنوان قافلة الحبر عن الرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة، ولأنه نقل عن كتابات رحالة أجانب وبلغتهم الأصلية، فقد ظهرت الأسماء مترجمة عن النص الإنجليزي، وحين عرّبت ظهرت بأشكال وألفاظ غريبة، فجبل حفيت أصبح جبل حافظ، والشيخ هزاع، الشيخ هيزع، والمويجعي، المعيوق، وبني كتب، بني كتاب، والدروع، الدورو، وعبري، إبري، والعوامر، العوامير، والرواشد، الرشايده، وبنات فرحه، بنات فرحات، وغيرها من المسميات التي كانت تنقصها الدقة العلمية، والتي انتبه لها بحّاثة فرنسي، عمل كتاباً عن الإمارات، وتتطلب منه الأمر أن يجلس هنا شهوراً لكي ينجز كتابه، خالياً من الأخطاء، معتمداً على لفظ أهل البلد، وتصحيح ما استغلق على المراجع والدارسين، وأذكر هنا صديقاً مصرياً، كان يضحك من قلبه ويتلعثم كثيراً، ونحن نطلب منه أن يلفظ أسماء مواقع مثل: الوقن، القوع، غياثي، القريّح·
لا بد من تشكيل لجنة وطنية، تضم المؤرخين والآثاريين، والجغرافيين واللغويين، واختصاصي المساحة، لتوحيد اللفظ، وطريقة كتابته، باللغة العربية والأجنبية، وحبذا أن تضاف لهما، اللغة اللاتينية، لضبط الحروف، وتشكيلها وتحريكها، مثلما تفعل بعض القواميس الأكاديمية، وذلك بغية إصدار قاموس وطني ومعتمد للمواقع، والبقاع، والمسميات، بحيث يعمم على كل المرافق البحثية، ومراكز الدراسات، والجهات الطالبة في الداخل والخارج، وإشاعة هذه المصطلحات في وسائل الإعلام، وتوفيرها للباحثين والدارسين·
لقد تغيرت المفردة المحلية عند الجيل الجديد، والبعض لا يفرق بين حديث النساء، وحديث الرجال، فلكل منهما ألفاظه ومصطلحاته، فتسمع صبي يقول: أنا قاعد أسير إلى المرخانية مثلاً، كيف يستقيم القعود مع السير في وقت واحد، والأمثلة تحتاج أكثر من عمود، لقد خلط الإعلام الكثير من الأمور في غياب الوعي، والمسؤول الوطني، قبل المواطن، وعدم التشديد على اللفظة وعلى المصطلح، والمسمى الصحيح، واللغة بالتالي، ولعل اسم المرحوم حموده بن علي وصالح بن بدوه، لم تستطع أن تلفظه بنطقه السليم أي مذيعة جاءت، سواء أيام التلفزيون الأبيض والأسود أو أيام الفضائيات، لقد رأيت قواميس خاصة للصحافة أو الإذاعة أو التلفزيون في الدول المتقدمة، تصنعها بنفسها، وتظل تغذيها كل يوم بشيء جديد، من أسماء المسؤولين أو المواقع الجغرافية أو المسميات في العالم وكيفية لفظها الصحيح، لكن عندنا العرب، كل شوربه، فاسم بي نظير بوتو، يكتب ويلفظ، مرة بنازير، ومرة أخرى بناظير، وكوفي عنان، يكتب أحياناً أنان، أما لو لفظنا كيفما تكتب أسماء رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة، فالأمر سيصل إلى الاحتجاج الرسمي، فجيسكار ديستان، حذفت من الأول الدال نطقاً، وحذفت من الثاني الألف والنون والجيم، وميتران، ينتهي بدال صامتة، لقد سمعنا مذيعات تسمي الصواريخ الفتاكة جو/ جو، صواريخ جوجو، صواريخ المذيعة هذه، نفاخة ما يفجرنها ومذيعة أخرى تشكر الأخ علي حسن سَلوكَه على مراسلة البرنامج، وظني والله أعلم أنها تقصد، على حُسن سلوكِه·· هناك أشياء كثيرة في حياتنا بحاجة إلى جبر بعد التكسير··