الشاعر العقيلي
الشعر حين يتجلى بين الأجيال، يتدفق بنصوصه وأبياته وعمقه الأدبي، تارة تفتش عنه الدراسات وتارة يملأ العقول ويكسب النفس حضورا ووجودا، فلا ينأى الشعر المتلازم على مشارف الأيام، يناغيها ويجاذبها الحديث والأحلام، وكأن الشعر حي لا يموت، يدندن بالأفق ويضيء الروح، ويشعل المدى فكرا قيما.. ديوان العقيلي أحد هذه الدواوين الشعرية المهمة، والحاضرة النابضة في الشعر التراثي الأمارتي.
أما الشاعر فهو مبارك بن حمد العقيلي، السعودي المنشأ والإماراتي المنتهى والمولود عام 1882م، وفد الى دبي من الإحساء وهو في ريعان شبابه، يتقدمه الشعر ويشغل مداركه، فكلتا المدينتين نسجتا خياله وعمقت الشعر في كيانه، وكان كغيره لا يأمن الرحيل، فكان يتدفق شعرا ليضيء طريقه ويفجر ينابيع ثقافته وملامح تكوينه، تجرفه المعاناة من بلد إلى آخر، لتستقر التجربة الشعرية بمدينة ساحرة هي دبي التي عشقها وتغلغل في تاريخها وتراثها وكتب جل قصائده بها حتى توفاها الله عام 1954م.
يعود الفضل الى الباحث بلال البدور حين بحث في أدبيات العقيلي وديوانه “غاية المرام لأهل الغرام”، وحين قدم كتابه ليثري به المكتبة العربية، وليقدم قامة شعرية أخذت مداها وحيزها، وبرزت رغم حالة من الشتات الثقافي والأدبي، لكن يكفي العقيلي ونسبه الأدبي والفكري ونسب آله العلمي والديني، ويكفي الباحث أنه وجد ضالته في شاعر مهم سطر اسمه بروزا، وقد سبقه الأديب بن حوريب وبعضا من الباحثين والكتاب الصحفيين سواء على يد المرحوم بوشهاب او عبدالغفار حسين ومن ثم عارف الخاجة، وبهذا الإنتاج من هذه الكوكبة بدا الشاعر كمثال على المسار الثقافي الإماراتي.
وللشاعر طواف شعري جميل من الشعر العربي الفصيح والمخزون اللغوي الرصين، وبذلك كتب النثر الجميل اضافة الى الشعر النبطي، وامتزج الشعر المرهف بشعر الخطابة، ويرقى الشاعر الى القصيدة درجات مستوحاة من نفس عاشقة محبة، فيقول في إحدى قصائده: “خل عنك الصد يا بدر الدجى، لا تكن لي قاطعا منك الرجا”، الى نهايتها قائلا: “أترى قلبي خلا من وجده بك ام قلبي من الوجد نجا”، وهنا يخاطب الشاعر المدينة كما لو يستلهم منها المحبة والحبيبة قائلا: “فهجرت لسواها من مهاة وظبي، بلدة طاب هواها مهبط الخير دبي”.
وفي قصيدة أخرى يمدح الأمام فيصل بن تركي إمام عمان قائلا: “عدني بوصل فلي بالوصل راحات وارحم محبا إذابته الصبابات”، وبهذا لا يعبأ الشاعر إلا بالكلمات ذات الجمالية المطلقة والتي تنسج الجمالية على القصيدة سواء بالمدح او بالتغزل بالحبيبة، ومثال آخر مادحا الشيخ زايد بن خليفة: “برز السرور وغابت الأتراح وصفا الزمان لنا ولذ الراح، فادر كؤوسك أيها الساقي فقد رق النسيم وراقت الأقداح”.
بهذا التمعن نقف على أعتاب القصيدة الموروث، ذات اللغة المتجددة من خلال مضمونها الفكري والثقافي، بل نقف في حاضر وقادم الشعر، ولا مكان للعقيلي إلا في مقدمة الشعراء ليس بالإمارات والسعودية فحسب وإنما سائر منطقة الخليج العربي.