اليوم أهرب من وظائف الروتين، مبتعداً إلى جبل قصي، أجلس محتمياً بظلال نسر، أفتح قميصي في الريح وأصرخ: أحبّك يا زهرة الشمس. حافياً ركضت منذ طفولتي نحو وجهك، وكانت الأرض ممراً ضيقاً، لكني عبرتها وخرجت مجروحاً ومخدوشة رؤاي. ومن يد إلى يد كانت تتقاذفني أمواج المتاهة، مرة يعتصرني الصبرُ حتى يكاد غصني يجفُ لولا بزوغكِ من جهة الأمل، ومرّة يعلقني المصير على حبل ويقول للأيام: أجلدوه لعله ينسى رغبة الانعتاق. وفي الليالي التي تكاثرت حلكتها، والناس نيام في النسيان، كنت أفتح عيني على بياض يخرج من بياض، يدٍ تلوحُ لي لكي أكتب رحيلي نحو الخلاص من الندم. وكنت أسأل: كيف ليدٍ ناعمة أن تفك سلاسل الحديد، وتكسر قيد الشك، وكيف ليدي، قبل أن يصفق لها أحد، أن ترفرف في فضاء حر، بينما رجلاي مغموستان في الطين. ولو قيل لي: خذ الدنيا متاعاً، ولك أن تستبد جهراً، وأن تنحني عند مرورك الظلال، لقلت: خاسرٌ من يبدل الشمس. مقتولٌ من يمد رقبته في الظلام. أريد لكل الظلال أن تستقيم حتى لو انحنى أصحابها، أريد للبراعم أن تكبر، وهي تتبع مصدر النور، وتتغذى منه، لتضيء الدرب الوحيد المؤدي لقلبك. وفي تلك اللحظة، حين تصل خطوتي الأخيرة عند بيتكِ، سأطرق باب الجنّة، وحيداً سأدخلها بلا حرس ولا تابعين. اليوم، حين يقول الناس أن الحب أغنية وذكرى، تقولين لهم: لا. الحب صافرة مستمرة في فم طائر حر، تغريدة تشقق الصمت الى ألف قطعة، وتبث في نسمة الوجود جرساً ناعماً يشبه العرس. كل أجنحة لا تحلّق باتجاه الحب، ستهوي بأصحابها إلى درك التعب. كل لحنٍ لا ينبع من قلب محبٍ، ستتقطع أوتاره وتصدأ، ولن يسمع بنغمته أحد. الحاء في كلمة (الحب) رمز للحياة وللحقيقة، والباء سرٌ بيننا، لو كشفناه تذبل شمعة الحنوّ، ولو تسرّب من بين أيدينا، يحاصرنا العناد ويفك التحامنا، تذهب الحاءُ الى حفلة الحرب، وتختفي الباءُ في بئرٍ بلا قرار. اليوم، آخذ من رمل الرحيل حفنة وأخط به طريقا لأعود قربك. أنهب من كنوز الدهر مليون قافية وأشعل في عيون الدهر القصيدة. أمسحُ سلالم الحياة بمنديل اللهفة، وأقف منتظراً أن تكتبي بخطوات مرورك، معنى استمرارنا، ومعنى أن تزهر الدنيا بالحب، وأن يكون للناس سبب للصعود نحو الضوء، حتى لو كان هذا الضوء بعيداً في النجمة المتوارية. ولو قُدّر للقمر أن يظل بدراً إلى الأبد، لكان وجهك حين تنظرين إليّ. ولو قيل للمرايا ابتسمي كي يفرح الناسُ بعد ضيق، لتجمّد البشر وهم يطالعون اختفاء وجوههم من صفحة الوهم، وظهور وجهك شعلة حب زيتها في القلب. هكذا تعود الأرض لترقص مختالة بين الأفلاك، لأن أقدامك لامست عشبها. اليوم يطارد العشّاق ورودهم قبل الذبول يصبغونها بالأحمر المرّ وأنا أطارد عيناً لو تفتحت لأزهرت كل حدائق الحب عادل خزام | akhozam@yahoo.com