قصر الحصن
بمسيرة بهية زاهية متألقة يتقدمها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة انطلقت في العاصمة أمس الأول فعاليات مهرجان قصر الحصن التي تستمر لمدة أسبوع حتى الأول من مارس المقبل.
مسيرة تروي بدلالاتها قصة نقل آل نهيان مقر الحكم من ليوا إلى أبوظبي قبل أكثر من 251 عاماً حيث شادوا هذا القصر الذي يعد أقدم صرح تاريخي في العاصمة الجديدة.
وسرعان ما تحول قصر الحصن عنواناً للعزة والكرامة الوطنية، وشاهداً على حقب من التحولات المتواصلة والهائلة في أبوظبي في رحلة التحليق بالوطن نحو آفاق غير مسبوقة من المنجزات والمكتسبات، شاهداً على تحولات متتالية، وصولاً للعصور الحديثة التي بدأت على يد القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وامتداداتها في العهد الميمون لقائد مسيرة الخير صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
احتفالية قصر الحصن رسالة الإمارات للذين لا يفرقون بين تاريخها الموغل في القدم، وتاريخ تأسيس الدولة، احتفالية تروي للأجيال تاريخاً حافلاً وتراثاً غنياً يتوهج حضارة وأصالة لأبناء هذه الأرض الطيبة، وقصة تحدٍ لكل الظروف القاسية، تقول للجميع إن الحاضر الزاهي امتداد لماضٍ عريق.
وعشية انطلاق هذه الاحتفالية المهيبة بالمعلم الرمز، كنت أطالع تقريراً في صحيفتنا الشقيقة «ذا ناشونال» عن سيرة السيدة البريطانية سوزان هلياررد التي رحلت عن عالمنا مؤخراً عن 87 عاماً، فقد كانت من أوائل البريطانيات اللاتي قدمن إلى أبوظبي. فقد جاءت رفقة زوجها العام 1954، والذي كان يعمل مع شركة بريطانية لاستكشاف النفط. في ذلك التقرير عرض لبعض ما حواه كتابها «ما قبل النفط» عن ملامح الحياة في المدينة الصغيرة الهادئة، وأفردت حيزاً كبيراً للقصر الذي كان مقر الحكم، وعلاقتها بالأسرة الحاكمة والمواطنين. كان أشد ما جذبها بساطة الحياة وقيم التسامح والتعايش التي تميز أبناءها. وتوقفت السيدة القادمة من الغرب أمام ذلك الاعتزاز بالقصر باعتباره مجلساً مفتوحاً بين الحاكم ومواطنيه، وهي قيم حافظت عليها الأجيال وتوارثتها. وكانت دوما نواة تأسست عليها صور الولاء والانتماء، وصُهرت بها لحمة وطنية متينة، وتلاحم وطني صلب. كان هو الرصيد الحقيقي للوطن وقيادته وأبنائه في مختلف حقب التاريخ، وتحديات مراحله المتنوعة.
لقد كانت احتفالية قصر الحصن، وغيرها من المبادرات المرتبطة بالتراث والتاريخ والثقافة المحلية، تجسد قوة ارتباط إنسان هذا الوطن بتاريخه وهويته الوطنية، على الرغم من الانفتاح القوي على العالم في عصر العولمة، وطوفان الأعراق وتعدد الثقافات السائدة وتنوعها في مجتمع اليوم، بل كانت منطلقاً- دون تردد- للتفاعل مع كافة الحضارات والثقافات الإنسانية، وتوظيفها بمهارة لإثراء الساحة المحلية، ليقدم للعالم مشهداً ثقافياً وحضارياً غنياً ومتنوعاً، يعكس إنجازات ومكتسبات وطن، سجل تجربة ملهمة في البناء و التسامح والتعايش والتفاعل الحضاري، وأصبحت معه الإمارات قدوة في الانطلاق نحو الحداثة والتقدم، وفي الوقت ذاته تتجذر فيها مظاهر وأدوات الثقافة والتراث المحلية الخالصة ومعالم الهوية الوطنية الراسخة كالتي تصدح بها اليوم احتفالية قصر الحصن.
ali.alamodi@admedia.ae