يحدث ذلك في كل وقت وفي كل مكان، الناس لا تجيد شيئا قدر انتقاد وتصنيف بعضهم بعضا، الرجال ينتقدون طبائع النساء، النساء يتحدثن عن سلوكيات الرجال بعدم رضا، المعلمون غير راضين عن تصرفات طلابهم، الطلاب لديهم ألف ملاحظة على المعلمين، المراهقون محل استياء من الكبار على طول الخط، والمراهقون لا يعجبهم العجب، وهكذا تدور رحى الأيام بينما طاحونة الحكايات تطحن أطنانا من القصص، هل هذا أمر طبيعي، لنعتقد ذلك ونمضي فذلك أفضل من أن ننتقد الجميع! الكبار الذين لا يعجبهم الجيل الحالي من الطلاب والمراهقين والصغار، وكلما سألتهم عن رأيهم فيهم وجدت لديهم أسباباً جاهزة للنقد والاستياء معتقدين انهم يمتلكون الحق والمعايير والمرجعيات الصحيحة لهذا النقد، وأول ما يثير الكبار في سلوكيات جيل اليوم هي اللامبالاة كما يقولون! الحقيقة هي أن اللامبالاة ليست سمة الأجيال الصغيرة من طلاب المدارس والجامعات وحتى الموظفين الذين ولدوا على أعتاب عقد التسعينيات من القرن الماضي، عن نفسي أجد اللامبالاة تطبع سلوك الكبار قبل المراهقين، وهي قبل هؤلاء وأولئك تعبر عن هوية عالم بأكمله، فالعالم أغلبه غير مبال بما يحدث، صحيح أنه يتحرك ويتطور، ويخترع وسائل وتقنيات حديثة لحياة أكثر رفاهية، ولعالم أكثر تواصلا، ولكنه في الوقت نفسه لا يكف عن اختراع صراعات وحروب أكثر تعقيدا ووسائل وأدوات قتل أشد فتكا، العالم لشدة لا مبالاته يقيم الدنيا لأجل فيل أو حوت نافق على شاطئ مهجور هناك في استراليا مثلا، لكنه يقضي الأيام تلو الأخرى في الثرثرة وعقد المؤتمرات الفاشلة والتقاط الصور الباهتة لسياسيين من الرجال غير الوسيمين ولنساء غير جذابات أبدا!! بينما بشر كثيرون بأطفالهم ونسائهم ورجالهم يموتون جوعا أو يقتلون في وضح النهار من دون أن يحرك هذا العالم اللامبالي ساكنا لكبح جنون الفقر أو القتلة! ليس الصغار هم اللامبالون، - فإذا كانوا كذلك - فإن لا مبالاتهم قد لا تؤذي أحدا سواهم، وهي مهما بلغت رعونتها وسماجتها تعتبر لامبالاة لها ما يبررها: فالعمر الغض وقلة الخبرة والطيش وضيق الأفق وتبدلات الهرمونات في أجسادهم وغير ذلك، لكن ماذا عن عالم الكبار، عالم العقلاء، الحكماء، الذين لا يكفون عن وصف الصغار باللامبالاة والنظر اليهم من علو شاهق وكأنهم كائنات صغيرة تافهة تستحق العقاب والتأنيب على طول الخط، بينما تفوح لا مبالاتهم هم بشكل يدفعك احيانا للدخول في معركة مع احدهم والتفكير في تحطيم رأسه لولا أنك شخص يجب أن تبدو مهذبا وحكيما طوال الوقت! جيل اليوم غير مهذب تقول لي إحدى المعلمات، وهم غير مبالين بالقراءة والاطلاع، ويعبرون عن تعال غير مهذب تجاه معلميهم، ربما أصدقها، وهي محقة فعلا فهناك عدد كبير من الصغار لديهم هذه السلوكيات، لكن من أين اتوا بها؟ من كرسها وسمح بتناميها في أذهانهم؟ أليس البيت؟ أليست الأسرة التي لم تبال بانحرافاتهم السلوكية؟ فمن اللامبالي هنا يا ترى؟ هل تقرأ الأم وهل يقرأ الأب وهل يقرأ المحيط أو يدعو هؤلاء الصغار ويدفعهم للقراءة إذن فمن اللامبالي بالقراءة؟ أظننا نحتاج لأن نراجع كثيرا من قناعاتنا وجداول المعايير التي نتباهى بها في كل لحظة ! ayya-222@hotmail.com