كثيراً ما تستوقفنا المنارات، تشدنا بقوة لجمالها أو إبداع تصميمها، بل حتى الأبراج غريبة التصميم وذات الارتفاع الكبير، لا أدري كلما رفع الإنسان رأسه إلى السماء شعر بطاقة قوية وبنظر أكثر صفاء وحدة، وكأن هناك جرساً داخلياً ينادي الإنسان ارفع رأسك عالياً لتشعر بكيانك ووجودك وعزتك، بل البعض يجد أن الشخوص إلى السماء والفضاء يجلي النفس ويعزز قوتها وشموخها وكذلك يقربك من خالق السماوات والأرض، هذا الشعور تبعثه أبراج المآذن وصدى الأصوات الداعية إلى الفلاح. لقد شدني موقف الطفل حمدان الذي لا يتجاوز عمره العامين، يأتي راكضاً بعد أن يسمع صوت الأذان في التلفاز ويقف صامتاً ومحدقاً في الشاشة يراقب ما يعرض مصاحباً لصوت الأذان من مناظر منارات متداخلة ومتحركة على مدة الأذان. يراقب بدقة في أشكال المنارات التي يتم عرضها من دون حراك، يظل واقفاً حتى ينتهي الأذان فيعود إلى لعبه.. لا أدري هل هو صوت الأذان الذي يجده جديداً عليه مقابل ما يسمعه كل لحظة وساعة من أحاديث وكلمات وأصوات من الصغار والكبار، أو هي مناظر المنارات، قد يكون الاثنان معاً ولكن حتى الكبار دائماً ما تشدهم مناظر المنارات المختلفة بالإضافة إلى الأبراج العجيبة التي قد يشاهدها في موطنه أو بلدان أخرى. وهذه الظاهرة نجدها عندنا كلنا نحن الكبار، فإذا كنا اعتدنا صورة وأشكال المنارات في أوطاننا فإننا أيضاً نقف متفرجين على الكاتدرائيات وأبراجها مثلاً أو المعابد البوذية وتصاميم أبراجها أو حتى قباب بعض القصور وارتفاعاتها العجيبة. هذه النظرة إلى السماء والعلو قد لا يثيرها فينا بعض المباني العادية والتي لا تأخذ منا غير نظرة خاطفة، بينما المنارات والأبراج تستوقفنا كثيراً وتجبرنا على التأمل والوقوف الذي قد يطول عند البعض. نشاهد ذلك عند الأفواج والسياح الجدد على الإمارات وكيف يقفون طويلاً ويسجلون وجودهم أمام منارات المساجد الجميلة. من المشاهد الجميلة والفريدة لأشكال المنارات التي تعرض مع الأذان ما يقدمه تلفزيون جيبوتي الديمقراطية، إنها أعجب المنارات وأجملها، ليس في قوة التشييد والعلو والتكلفة الفنية ولكن في قدمها وتاريخ البناء، حيث تخالها من عهد الدولة الإسلامية الأولى، عجيبة في التصميم وفريدة في التشييد، مختلفة الأشكال والبناء، لم أشهد مثلها أبداً في الإمارات أو بعض الدول العربية، ويأتي جمالها في بساطتها وهدفها من التعمير، إنها لغاية واحدة وهي رفع الأذان، اقتصادية جداً ولكنها جميلة وفريدة وعجيبة، أشكال في غاية الندرة والإبداع الفني، وعلى حداثة هذا الجهاز الإعلامي إلا أنه موفق جداً في إظهار فن العمارة القديمة من خلال دقائق قليلة لا تتعدى مدة الأذان، وخلال هذه المدة يقدم صورا كثيرة وفريدة لفن بناء المنارات القديمة، وربما لا يوجد شيء من الجديد العمراني ولكن القديم هذا الذي يعرض هو أكثر أهمية وأجمل من منارات كثيرة لدينا، كان يمكن إعادة صورة المنارة القديمة على بعض المساجد الصغيرة فتعطي نماذج فريدة وجميلة. لدينا كل جديد وجميل في عالم أبراج المنارات وهي عظيمة ومهمة، ولكن ماذا لو تنوعت هذه المنارات وأعيد لتلك الأشكال القديمة حضورها، بالتأكيد سوف تكون ملمحا من جمالية المدينة وتنوعها في الفن المعماري، حيث نشاهد دائماً في الشارع الواحد والمنطقة الواحدة عشرات المساجد متشابهة المنارات والتصميم وكأنها نقلت بصورة كربونية واحدة، لماذا لا يكون هناك تنوع واختلافات في التصميم الخاص بالمنارات، حيث يعطي ذلك صورة جميلة للمسجد والمدينة. في قديم المنارات تصاميم جميلة وفريدة ورائعة، إذا ما أعيدت لها الحياة. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com