في عالم اليوم أنظمة تحترف مهنة الرهاب والاستلاب والاقتضاب والاكتئاب والانقلاب على الحقيقة لتشويه وتسويف وتخويف وتحريف وتجريف وتجديف، والذهاب بشعوبها نحو هاويات الفقر وسلخ المعنى الإنساني من ضمير البشر.. وعندما تسمع عن دولة تطلق صواريخ نووية عابرة وغابرة وسافرة ومغامرة، وشعبها محاصر بالغبن والكدر، وطاقتها الاقتصادية أرنب مهزوم ومكظوم ومهموم، مجزوم، محروم من النهوض، ومنهك ومغلق على نفسه، تشعر بأن هناك غيمة عبثية تحدق ولا تصدق، تعِدُ ولا تسِدُ، تفكر ولا تدبر، تنافق نفسها وتكذب على الآخرين.. عندما تسمع عن دولة تجاهر وتكابر وتفاخر بفقاعات جهنمية وتطمع أن تكون دولة “عظمى” ونصف شعبها يعاني من الأمية، والفقر يدق أطنابه في النخاع والبقاع، والمرض يقتعد كرسياً وثيراً في أجساد الناس الأبرياء الذين لا تمكنهم الحيلة من شراء البنادول لتخفيف الصداع جراء ما يصدم رؤوسهم من شعارات وانهيارات سياسية وعلل اقتصادية بغيضة، عندما تسمع ذلك تحس بأنك أمام فلسفة عدمية أشبه بفلسفة الإغريقي القديم كراتاس وأن هذه الدولة أو تلك يخوضان حروباً فاشلة وأنهما يعيشان حالة الحمل الكاذب كما تعيشه النساء في سن اليأس. فإذا كانت هذه الأنظمة اختزلت الدولة في الحزب أو الطائفة واعتدت عدة المواجهة مع العالم بهذه الفئة المجتزأة من وطن كامل، شامل، يعيش على أرضه الملايين من المقصين والملغين والمبعدين والذين يعيشون فقط على هامش فراغات مكفهرة معتمة، قاتمة، معدمة، فيا ترى كم من السنوات تستطيع أن تصمد وأن تخمد نيران الكبت والصمت الإجباري، كم من السنوات تستطيع هذه الدول أن تستنزف من اقتصاد مقيد بأغلال قرارات أممية رافضة للتهور والانهيار القيمي.. وكم من الزمن تستطيع فيه شعوبها أن تصبر وتضمر حقدها وكراهيتها لأنظمة طوقت عقيدتها بأسلحة دمار شامل؟ هذه أسئلة لا تحتاج إلى تفكير عميق، فالمكابرة مقابلها هزيمة منكرة، والمغامرة لا نتيجة لها إلا الاندحار أو الانتحار، والكذب على الناس مصيره فسخ عقال العلاقة ما بين النظام والشعب، من ثم العزلة التي تؤدي إلى انحسار حاجز الخوف ثم كشف الحقيقة. والذين يفكرون بإرهاب الآخر بسلاح نووي يتم تجهيزه في منشآت أشبه بكراج سيارات “باكستاني” في قرية بائسة بجانب رصيف شارع حفرت جسده الشاحنات المتهورة، فإنهم وقعوا في شراك خدعة بصرية مزرية وقاهرة لأنه على مدى التاريخ تحصين الأوطان يأتي من الداخل ومن اقتناع الناس بما يقدمه النظام من سياسة حكيمة واقتصاد يخدم حاجة الناس وشعار يتوافق مع متطلبات الواقع.. وما عدا ذلك فهو كذب وافتراء. علي أبو الريش | marafea@emi.ae