لا أنكر حبي للكرة، وتعلقي بها في بعض الأوقات، ولا أنكر أنها باتت مجنونة يلاحقها مجانين، في كل أرجاء المعمورة، غير أن قصة الطفل فيليبو عاشق الإنتر أخذتني إلى واد آخر، ونالت من هذا التعلق، فعن نفسي أرفض أن تكون للكرة هذه السطوة، وأن تساهم في تشكيل جيل، يلاحقها أينما ركضت، ويتعلق بها باعتبارها المستقبل، وما عداها لا يسمن ولا يغني من جوع. أما قصة الطفل، فقد بدأت حين رفع لافتة خلال مباراة الإنتر مع بولونيا يطلب فيها من فريقه الفوز كي لا يسخر منه زملاؤه بالمدرسة، وبعدها رفع أحد مشجعي ميلان في مباراة تشيزينا وميلان لافتة مكتوباً عليها «ميلان استمر بالفوز كي أسخر من فيليبو بالمدرسة!». وانتشرت معركة اللافتات والسخرية من الطفل، فرفع مشجع من جماهير يوفنتوس لافتة وجه فيها نصيحة إلى فيليبو حدد له فيها خيارين، إما أن يترك مدرسته هرباً من سخرية أصدقائه التي لن تنتهي، أو يشجع فريقاً آخر بخلاف الإنتر. وتصاعد الأمر إلى كواليس نادي الانتر نفسه، فوجه رئيسه ماسيمو موراتِّي شخصيًا الدعوة إلى الصبي وعائلته لزيارة المركز التدريبي للنادي، وأهداه أسطورة انتر ميلان وقائد الفريق، زانيتي قميصه، تقديرا لتشجيعه للفريق، وتحمله كل هذه السخرية والتهكم من أجلهم. القصة في مضمونها تبدو إنسانية وآسرة، وتداولها محبو الكرة ومشجعو الإنتر ومتابعو الدوري الإيطالي على نطاق واسع، لكنني لم أنظر إليها أبداً من تلك الزاوية، لسبب أو لآخر، تخيلت أن فيليبو قريب لي، أو ابني مثلاً، فهل أتمنى أن يكون ولدي على شاكلته، وهل أتمنى أن يبلغ هوسه بالكرة هذا المدى الجنوني، الذي تقدم لديه على كل ما سوى الكرة، سواء الدراسة أو غيرها. هذا ما فعلته وتفعله بنا الكرة، وحال فيليبو، مثل حال أطفال كثيرين لدينا، تعلقوا بأسماء وهوايات لا يجب أن يتعلقوا بها، فبات لاعبو الكرة من هنا أو من خارج الحدود، هم القدوة والطموح، وبات جون سينا وذا ميز في المصارعة، هما أحب الناس إلى قلوب الأبناء، ويحكي لي أحد الآباء أنه ليس بإمكانه الحديث مع أي من أبنائه أثناء مصارعة المحترفين، وأن إغلاق التلفزيون عن المصارعة أو تحويل القناة، قد يكون سبباً كافياً لـ«حرب أسرية» لا يعلم مداها، وقد يخاصمه الأبناء إذا ما تجرأ وأهان نجومهم المفضلين. ربما في وقت آخر، كان بالإمكان أن تتجه الزاوية منحى مختلفاً، ولكن ماذا يبقى للإعلام ورسالته إن لم يتصد لهذه الظواهر التي تغزونا يوماً بعد يوم، وباتت تشكل عبئاً نفسياً على الأسر، التي يتجاذب الأولاد أطرافها في اتجاه هذا النجم أو ذاك، دون أن يروا في العالم أحداً آخر يستحق المشاهدة أو الاقتداء سوى هؤلاء. أقر وأشهد أن الإعلام ساهم في صياغة هذه الأوضاع «المقلوبة»، وهو الذي روج لما يجب أن يكون وسيلة ترفيه، باعتباره وسيلة حياة، وانصرف عمن يصلحون قدوة، لمن لا يصلحون، ولكن على الأسرة أن تكون دوماً السياج والحصن للأبناء، لأنها وحدها هي التي ستُسأل، وهي التي ستدفع ضريبة الانسياق وراء نزوات الأبناء. كلمة أخيرة: لو كانت الكرة هدفاً وغاية.. ما لعبناها بالأقدام mohamed.albade@admedia.ae