لقاء عالم جليل
جمعتني الصدفة مع أحد العلماء الذين أمضوا حياتهم في خدمة البشرية وتطويرها، وبصراحة كان لقاء ذا فائدة أستطيع أن أصفه بـ "قمة الاستفادة"، وبطبيعة الحال ذلك النوع من البشر ليس لديه وقت لنفسه ليظهر بمنظر أنيق، فالملابس التي يرتديها صارت قديمة، وماركتها كانت متداولة في جيل الستينيات والسبعينيات، إلا أنها ما زالت محافظة على أزرارها الأصلية.
أما عن شعره وشواربه ولحيته، فليس لديه وقت أيضاً لها، حتى لتسريحها وليس تهذيبها، وهو يرتدي نظارة طبية كبيرة جداً تغطي نصف وجهه، المهم اتضح لي لاحقاً أن معظم العباقرة لا يهتمون بأناقتهم ليس لسبب معين، وإنما لقلة وقتهم، وعدم تضييع الوقت في ما لا ينفع على حد تعبيرهم.
المهم في البداية كان اللقاء شائقاً للغاية، كلما حاولت جرّ الحديث لسوالف "بطالية" يعاود الحبيب ويرجعه لحديث له فائدة وقيمة، وذلك البروفيسور تقاعد ووهب حياته المتبقية للبحوث والنظريات في المختبرات والمعاهد والجامعات والمكتبات، لكي يقدم للبشرية شيئاً جديداً.
صاحبنا له الفضل في الكشف عن العديد من الظواهر العالمية والأمراض التي تفشت، والسيطرة عليها وتقنينها، كما له براءة اختراع العديد من المبتكرات الجديدة، وقد عقد العزم على نفع البشرية بشيء جديد أيضاً، وبطبيعة الحال، فأمثال هؤلاء للأسف ليس لهم مكانة في عالمنا العربي، أما في الغرب فقد يكونون أهم من الوزير نفسه، وقد تكون لهم مكانة اجتماعية، ليس لمظهرهم وإنما لعقلهم وعلمهم اللذين يستفيد منهما الجميع.
هذا العالم أمضى حياته في الغرب ولم يزر الدول العربية إلا ما ندر، وحينما يزورها لم يكن يقضي فيها أوقاتاً طويلة، وبعد تقاعده قرر زيارتنا للاطلاع على حضارتنا وما وصلنا إليه، كما أراد أن يزور ابنته المقيمة في إحدى مدن الدولة، وحينما حطت رحاله في الإمارات، أبدى إعجابه بما وصلت إليه الإمارات من حضارة ورقي وتطور في شتى المجالات.
وما جعله يستغرب أكثر فأكثر، التنظيم الرائع للدولة، حتى إنه قال "أنا أستغرب الدولة تسير وفقاً لنظام معين وحازم في مرورها، إلا أنني لم أرَ شرطي مرور واحد في الطريق"، متسائلاً كيف يلتزم الناس من دون شرطي مراقب؟ وأبدى إعجابه بنظافة شوارعها، لافتاً إلى أن الطرقات نظيفة جداً، إلا أنه لم يرَ ولا عامل نظافة، فمتى يقومون بتنظيفها؟!
halkaabi@alittihad.ae