يركلُ الملهوفُ كرة الزمان، يدحرجها في العشواء بلا هدفٍ ولا نيّة. وسوف يقضي العمر عينه اليمنى على ولائم الآخرين، وعينه الأخرى تنزف حسرةً على كل قطرة عسلٍ يسكبها المتعففون والزُهاد. والملهوف، وإن عمّر في الأرض دهراً، يغادرها بيدين خاويتين وقلبٍ حزين. وما من دواءٍ لجشع روحه حتى لو غمروا فمه بالذهب. يخرج من بيته كل صباح فيتعثّر بالندم حين تدوس رجلاه على البقايا والمهملات. وعند الظهيرة، تخنقه الغصّة حين يمرُّ في الأسواق ويرى الأرزاق تُقسّم في عدالة الكون وهو يريدها ملكاً يلبي طمعه. ثم في الليل، عندما ينام البشرُ غرقى في أحلامهم، يظل الملهوف سهراناً قرب شمعة التكرار، يعدُّ الحصى في كنزه الوهمي، ويُعيدُ العدَّ، وهو ينسى في قرارة قلبه أن الحياة إلى زوال، حتى لو تحصّن ناسُها بالجاه والمال. يركلُ المنهوبُ الحصى في طريق الصبر وهو يرى الوحوشَ القوية تفترس الضعفاء في العلن. كلما قطف ثمرةً من شجرة الظلال، نزعوها من فمه وألقموه السكوت. ولا يملكُ المنهوبَ سوى أن يلوذ بالزاوية ريثما تعبر عواصف الجشع، ولكن هيهات أن تزول. وحين يشتدُّ الصقيعُ وتوغلُ الوحشة في المدن والنفوس، يلتحف المنهوبُ بما تذرُوه الريح، وما تناثر من خرقٍ بالية وممزقة بعد معارك الصراع بين الإقواء. يخرج من بيته في الصباح وعلى فمه أغنية سلام، لكن المتربصين ينهبون ما في يده، ويخطف أسرعهم نعليه ويتركه حافيا والطريق شائكة ومرّة. وعند الظهيرة، يمد له التجّار طُعماً ويُفرغون جيوبه وهو راضٍ بجهله، ثم يأتي الجُباةُ فيقتطعون من خبزته تاركين له البقايا. ثم في الليل، عندما يهجعُ البشرُ في وداعة الأمان، يظل المنهوب سهرانا قرب شمعة السؤال. لماذا يفتك الشبعان بالجائعِ وبطنه لا تزال في امتلاء. لماذا كلما تراكمت جبال المال عند الغني، ارتفع صراخه أكثر وهو ينادي بالمزيد؟. يركلُ المغلوبُ ظله في طريق العودة من لعبة الحظ. كل رميةٍ رماها تحيدُ عن هدفها وتسقط خارجاً، كلما مرّ في صعودٍ، وجد الآخرين وقد سبقوه للقمّة. كلما تدرّب في المشي على حبل الوصول، يتعثر قبل خط النهاية فتسبقه السلحفاة وتنال التصفيقَ قبله. والمغلوب يخرج من بيته في الصباح مكتنزاً بالعزيمة، لكن أغاني اليأس تتسرب إليه من نوافذ الآخرين فتخورُ همته قليلاً. وفي الظهيرة، حين يرفع نبله ليطلق السهم على الشمس، تبيضّ عيناه فلا يعود يرى في إي اتجاه هدفه. ثم في الليل، والناسُ في سهرٍ على طبول النصر، ينحني المغلوبُ على شمعة يومه حائراً من تأخره، ومن عودته كل يوم إلى نقطة الصفر، رغم ركضه الدائري في كل الدروب. يركلُ البشرُ مصائرهم مثل كراتٍ صغيرة. هذا يدحرجها في ملعب العظماء ويفوز عليهم بقوّة الأمل. وهذا يمررها بخجلٍ وقد يخسرها. وثالثٌ يعبر بها متعثراً من حفرة إلى حفرة. والبقية مقلّدون. الحبُ يجمعنا في ملعب الورد حجرين رمتهما المسافة فالتقيا في لعبة النرد akhozam@yahoo.com