مزاجية المبدع
دائما ما يُنعت المبدعون، وتحديدا في المجال الأدبي بالمزاجية، أي أنهم لا يقدمون إلى عمل شيء إلا إذا كان يتناسب وهواهم وتفكيرهم ولحظة الشعور لديهم·
وكثيرا ما يشاع هذا النعت بالمزاجية للمبدعين إلى الدرجة التي أدت إلى تهميشهم في الحياة الثقافية وإقصائهم عن لعب دور ريادي وقيادي في الفعل الثقافي بالدولة، سواء كان على صعيد إدارة مؤسسات ثقافية حكومية أو المشاركة في رسم السياسة الثقافية للمكان·
وذلك على الرغم من اطلاعهم العميق على التجارب الأدبية والثقافية العالمية والعربية وتماسهم العميق مع التراكم الثقافي في المكان وقدرتهم على الرؤية الواضحة لما يحتاجه المشهد الثقافي المحلي حاضرا ومستقبلا، وكذلك جذورهم الراسخة في هذه الأرض·
نعم، المبدعون في كل المجالات هم كائنات مزاجية·· لكن لماذا هم كذلك؟
إن المبدع دائما يرى أبعد من حدود البصر العادي، وعندما يكتشف أن ما سيُقدِم عليه من عمل ليس ذا جدوى، وانه سهل، يدير ظهره ويمضي·
وفي حالة مبدعينا فإن كثيرا منهم وقع تحت إدارات حاربتهم أكثر من أن تقربهم وتمضي معهم إلى الأجمل؛ ولأنهم ـ المبدعين ـ ليسوا من مدبري المؤامرات وواضعي الأفخاخ للآخرين، فإنهم يديرون وجوههم باتجاه الهواء المنعش وعيونهم تحدق في جمالٍ لا يرى·· وينزوون بصمت، ذلك لأنهم دائما يرون مشروعهم الإبداعي الشخصي كأكثر الأشياء قداسة في الحياة والذي يستحق كل ولائهم وعشقهم·
ولكن مع الأسف، من يخسر هو المكان، لا لذنب له، ولكن لأن هناك من لا يرى إلا بمساحة حدود مصلحته الشخصية وليس مصلحة وطن؛ يخسر المكان مبدعيه الذين بالتأكيد إن وضعوا أيديهم على مشاريع حقيقية فيها كل ما يحفزهم على العمل، فإنهم يحيلون الرمل ذهباً·
نعم، يخسرهم المكان، يخسر جهودهم وأفكارهم وتصوراتهم ورؤيتهم، فيما يبقى نفر من المسطحين يحركون الفعل الثقافي والإبداعي أو يحركهم العقل المستورد ويقررا معا الحاضر والمستقبل الثقافي للمكان، ويكرسون المشهد الباهت·
إن وصف المبدع بالمزاجي أمر فيه شيء من الخبث عندما يستخدمه مسؤول في موقع تحريك المشهد الثقافي، إذ يقصد من ذلك ما يقصد، من رغبة في إقصاء هذا المبدع من ساحته واتهامه بالامبلاة وعدم الالتزام والمصداقية في العمل·
لذا لا بد من إعادة النظر في إطلاق هذا النعت على المبدع·· وبأكثر دقة فإن ما يعيشه المبدع هنا هو الإحباط وليس المزاجية·
saadjumah@hotmail.com