ألفيت نفسي، الأسبوع الماضي، واقعا في غرام مليكة· ومليكة هذه، صبية مغربية تعمل في مصنع للقريدس (الروبيان) المجلد، فيتغلغل الجليد إلى أصابعها ما يجعلها تتصلب، ويتسلل إلى صدرها فتصاب بذات الرئة· ومع ذلك فإن مليكة تعرف كيف تحلم، وبماذا تحلم، لكنها لا تعرف كيف تحقق حلمها بالهجرة إلى إيطاليا، والعمل والتعلم هناك في وقت واحد، لكي ينفتح العالم أمامها· مليكة ليست وحدها في العالم ''المتجلد''· هناك ألوف غيرها، ذكور وإناث، ممن يحلمون بعبور المضيق إلى أوروبا، فوق مراكب يديرها مهربون، فيكون مصيرهم هجرة قاسية أو موتا محققا· من هذا العالم التقط الطاهر بنجلون شخصيات روايته ''أن ترحل··''، ومنها مليكة، حيث رسم في فصول الرواية التي عنونها بأسماء الشخصيات، تفاصيل مرعبة ومؤلمة من عالم الهجرة السرية· لكن مليكة عند الطاهر بنجلون، ليست شخصية أساسية في بنية العمل الروائي· هي تقع على هامش الرواية، تماما كما هي في الحياة، فبدت في إطار السرد وكأنها واحدة من تلك الشخصيات التي يختلقها الروائيون لإطالة مشروعهم الكتابي·· لإضافة صفحات إلى الكتاب ليس إلا·· ومثل هذه الشخصيات، تشير أكثر من غيرها إلى قدرة الروائي على ربط قارئه مع نصه· لقد وفق الطاهر بنجلون في رسم شخصية مليكة، الهامشية في روايته، بأفضل مما فعله مع الشخصيات الأخرى الرئيسية التي تقود السرد في تطوره ومنحنياته وصولا إلى خواتيمه· جعلتنا مليكة المريضة، الحالمة، نتسقط أخبارها المتناثرة في صفحات الكتاب، ونرصد تطور حكايتها التي لم تصل إلى ختام، لأن أحداث الرواية الرئيسية انتهت، فانتفت الحاجة إلى مليكة وحكايتها· تكرر الأمر نفسه، تقريبا، مع رواية الياباني هاروكي موراكامي ''جنوب الحدود، غرب الشمس''· فصديقة البطل/ الراوي في شبابه (أزومي) غابت عن الحدث الروائي بعد انكسارها بسبب خيانة الصديق· لكن المؤلف جعل (أزومي) حاضرة في ذهن القارئ على مدار الصفحات والفصول· كانت (أزومي) أكثر حضورا من الشخصيات الحية، دون أن يتلمس القارئ بالضبط حقيقة مصيرها· يبدو كما لو أنه توجد، في مكان ما، سطوة ما، تدفع بعناصر غير أساسية في النص السردي إلى الواجهة بغير دراية أو تخطيط، أو كأن هناك طاقة إنارة خفية تسلط ضوءا مبهرا على شخصيات الهامش·· فهل هي سطوة الشخصية نفسها التي تتسلل إلى النص؟ أم أنها سطوة المؤلف المحترف؟ أم هي سطوة القارئ، وهي سطوة متحولة وانتقائية؟ كل ذلك يجعلنا نتلفت إلى الشخصيات الهامشية المحيطة بنا، لنتلمس كيف تقودنا، أو لنراقب أنفسنا ونحن نقع في غرامها··· adelk58@hotmail.com