تضاريس 1
في البلاد العربية التضاريس السياسية ملتهبة، والدينية متشعبة، والاجتماعية مكتئبة، والثقافية مقتضبة، والحلم بحياة مبهرة أصبح شيئاً من الخرافة أو المجازفة غير المحسوبة·
في البلاد العربية بعد الصولات والجولات نامت الخيول، واغبرت الفصول، واجتاحت السيول، واكفهرت الحقول، وتشعوذت العقول، وترهلت الأصول، وصارت الرؤوس ذيولاً، وازدادت القلوب جفولاً، وتقاطرت الأمطار الحمضية هطولاً، وتشردت القيم فلولاً، وتشرذمت الشيم أسداً كسولاً، وبات الانتماء إلى الأرض مفصولاً، وصار كل يبكي على ليلاه، والجميع يصيح عالياً يا ويلاه، والآه تتبعها الآه، والوجع تضخم وتورم، وتجهم، وغم، وأسقم·
في البلاد العربية تناثرت حرب الطوائف، والمخالف يضرب المجازف، والنائف يخذله العازف، والراجف يشد حبل الواقف، والراعف ينز دم المواقف، والغارف يهدر صبوة التكاتف والتآلف، والزاحف نحو العلل والملل، والنحل ينذر الناس بموت آزف·
في البلاد العربية الفكرة لا تثبت، ولا تنبت، ولا تصب، ولا تخب، بل هي أشبه بالجواد المضطرب المحترب المكتئب المخضب برمق القلق والأرق الساحق الماحق السارق لحق الحياة والعيش الهانئ الرغيد·
في البلاد العربية الديمقراطية صارت مطلب كل متعجرف مسف ناسف أعجف أجوف خرف امتشق سيف الدين ليهرق ويهرطق ويمنطق اللامنطق، ويسير بالركب باتجاه الخطب، ويمضي قدماً بلا رسالة، يصنع صفحة من خرافات منامه، ويبشر العالمين بحلم أشبه بالغمامة، ومن عرائه الفكري يصيغ جمهورية أحلامه·
في البلاد العربية تطور نسل المشعوذين في عرين حزين مستهين بالأرض والناس الآمنين، وصار المخاتل مقاتلاً، والمتحايل مناضلاً، والأفاق والباطني رسولاً·
في البلاد العربية أراد البعض أن يخلط الأوراق، وبحنكة وفطنة ونفاق فجز الأعناق، وأشخص الأحداق، وشدد الأطواق، وقال للناس أنا الطلعة البهية، والنظرة السخية والبهجة ولواعج الأشواق·
في البلاد العربية صارت الجرذان فرساناً، وشبيه الإنسان إنساناً، وبقايا ما تبقى من خسارات شجعاناً·· فلا هو من فصيل عدنان ولا كنعان، بل هو شبهة من جان ونيران أرادت أن تشعل الثغور والخلجان، وتذهب بالأوطان إلى خارج الحضارات والزمان·
في البلاد العربية، شيء من الجنون يقود الناس إلى المنون منتحراً، ويقول متبجحاً هذا طريق الجنة، وهذا ما قاله الساكن في حجرة الآمر بأمره الملهوف المشفوف المكلوف بقتل الناس بغير جريرة، وسفك الدماء، ومحو الانتماء، وتبذير أرواح من هم في طور الابتداء·
في البلاد العربية، لا وطن لمعتد أثيم، ولا همّاز بنميم، ولا حاقد سقيم، ولا ختار مكار عيار باحث عن أنانيته وذاتيته في أتون الأوطان، ودماء الإنسان، وزعزعة الأمان، وهدر الاطمئنان، وإبادة الضرع، والزرع، والأشجان، ونشر الاستلاب، والاضطراب، والاحتراب، وصناعة الموت بأشكاله المتنوعة، وأصنافه المروعة، وأطيافه المفزعة، وكل ذلك تحت حجج واهية لاغية منافية للأخلاق والقيم الإنسانية الرفيعة·
في البلاد العربية تبدو زمرة شذت الطريق وأشعلت الحريق، ومادت بين صفيق ونزق مارق طرير·
في البلاد العربية كل من فقد الشهية للحياة غادره حب الوطن فانتمى وعمى وارتمى في أحضان لا تكن إلا البغض والغيظ لكل ما هو أصيل وجميل ونبيل، ولكل ما يفوح برائحة الوطن ·· اللهم أعم أبصارهم عنا وعن أوطاننا، واحفظ الأرض والعرض من شر من لا يعرف الخير·