هناك معطيات كثيرة في الواقع الخليجي ترشح دول الخليج مجتمعة وكمنظومة لقيادة دفة الأمور في المنطقة العربية خلال الفترة المقبلة، وليس في الأمر مبالغة ولا أوهام، ولكنها السياسة التي نعرف جميعاً أن أبسط تعريفاتها أنها «فن الممكن»، فما هو الممكن والإمكانات التي تؤهل منظومة دول الخليج لقيادة المنطقة العربية في الحقبة التالية؟ هناك عدة أسباب أفرزها ربيع الثورات العربية الذي أحال دولاً عظيمة وعريقة إلى بؤر للصراعات الداخلية والتشابكات الإقليمية، بينما دفع هذا الربيع دولاً أخرى للاستقالة من أدوارها القيادية مرغمة لا من باب البطولة أو الإيثار!
مصر - وما أدراك ما مصر؟! - قلب العروبة ومركز الثقل الإقليمي وعاصمة القرار العربي وأرض الحضارات ومهوى الأفئدة وموئل الفن والأدب والأدباء والمفكرين، أين هي اليوم من هذا كله؟ إنها تشتعل بنيران مختلفة، الصراع على مراكز السلطة، المواجهة اليومية ضد «أخونة الدولة» بعد أن استولى الإخوان على مفاتيح مصر، الصراع اليومي ضد الفساد والفاسدين، وضد الغلاء والبؤس والفقر، وكأنه كان ينقص مصر شقاء جديد ليضيف الحضور الإيراني قلقاً آخر دخل على خط الصراعات ليزيد الأمور تعقيداً، فانشغلت مصر عن أدوارها الكبرى لتحل تشابكات الإخوان وأنابيب الغاز ومحاكمات رموز النظام السابق والإعلان الدستوري وإسقاط جنسية أبناء الرئيس!!!
سوريا ذهبت مع رياح العنف القاتل، والذي أكل أخضر سوريا ويابسها، تاركاً أقدم العواصم وأعظم المدن في مهب الصفقات والمجهول.
لبنان استقال من دوره الثقافي منذ دارت رحى حربه الطائفية في سبعينيات القرن الماضي، والتي حولته من لبنان الأخضر الذي طالما تغنينا به، مطبعتنا وشرفتنا الواسعة على أنهار الثقافات والفنون والآداب، إلى عاصمة لردود الأفعال الإقليمية لا أكثر، من دون أن يكون له دور أو حتى استراتيجية واضحة! أما العراق بوابة العرب وحاميهم ورأس حربتهم ضد الشعوبيين وأصحاب الأجندات الإقليمية، فقد أصبح رمزاً للطائفية بجدارة بعد أن سقط بيد الأميركان عام 2003، فما الذي بقي من عواصم القرار العربي يمكنه أن يشكل ثقلاً وقوة واستقراراً للمنطقة؟ انظروا حولكم!
إن منظومة دول الخليج - رغم بعض الإشكالات الأمنية التي حاولت أجندات إقليمية وغير إقليمية زجها في داخل الجسد الخليجي، لزعزعة أمنه وتعجيل نظرية الفوضى الخلاقة من خلاله، هذه المنظومة لا تزال تمتلك زمام استقرارها وأمنها واستراتيجيات مستقبلها ومستقبل أجيالها، كما لا تزال بعيدة عن مرمى الصراعات الحادة والتي تولدت نتيجة عوامل لا تتوافر لدينا، وتحديداً ما يتعلق بالحالة الاقتصادية الكارثية التي كانت ترزح تحت وطأتها شعوب العالم العربي التي انفجرت ثوراتها منذ عامين.
لدينا من الاستقرار والبنى التحتية ومشاريع التنمية والإرادة السياسية وجموع المتعلمين والقياديين الشباب، إضافة لمداخيل نفطية عالية وتوجهات مجتمعية حداثية واضحة، ما يجعل دول الخليج مؤهلة كي تلعب دوراً حاسماً في المرحلة المقبلة من تاريخ الوطن العربي!
ayya-222@hotmail.com