عندما تقف عند إشارة حمراء أو تسير تحت سطوة الشمس الحارقة وأنت تسكن في سيارتك المكيفة، مطمئن النفس، هادئ البال، ثم تلتفت فجأة وترى شرطي المرور على دراجته النارية لا تفصله عن سقف السماء سوى خيوط الشمس اللاهبة، وهي تسقط على رأسه كأنها الجحيم، ولا يحميه من هذا الغزو الحراري الصاهد غير إرادته القوية وعزيمته وشيمته وحبه لعمله، وارتباطه بهذه الأرض التي تتقاسم معه الحب والانتماء والعطاء والوفاء· عندما ترنو إلى هذا الصامد المجاهد المنعم بخير الضمير الحي، والقلب النابض وجداً بحب الوطن وناسه، فإنك تشعر بالفخر والعزة ويحتويك إحساس مبهج ومفرح بجنود مجهولين يبذلون العرق والجهد والتعب من أجل إشاعة الأمن للناس وتوفير الراحة لكل من يرتاد الطريق، ونتمنى أن يحترم الناس هذا الجهد ويقدروا تعب من يشعر بالسعادة عندما يقوم بخدمة الآخرين دون كلل أو ملل أو منة على أحد·· عندما ترمق هذا المشهد الحضاري وأنت تحت الظل الوارف، وغيرك تلسعه سياط الشمس، نقول اللهم أكثر من أمثال المخلصين الصادقين الجادين، المتفانين المؤجلين، راحتهم ليستريح غيرهم أو المتناسين أنفسهم ليسعد سواهم·· هذه السواعد السمراء اللابثة في المكان المنتشرة كالورود في كل موقع وعند كل حدث، هي سمتنا وقامتنا ورايتنا وساريتنا وشجرتنا التي نتفيأ تحت ظلالها ونسعد بخمائلها، ونشعر بالفرح عندما نجد شرطي مرور يودع دراجته النارية أو مركبته مترجلاً بقلب أبيض متطوعاً لخدمة سائق تعطلت مركبته أوعطبت إطارات سيارته، يكون الأمر في أتم التعاضد، وأكمل التكاتف وأجمل التواصل وأنبل الفعل، يكون الأمر معبراً عن روح إنسانية رائعة ومشاعر حضارية ناصعة لا يمارسها إلا كل من قدس العمل وأجاد بالفعل وتواصل ووصل إلى حيث تسكن القلوب في الصدور· شرطي المرور هذا الذي يقف تحت سطوة الشمس، ودع في البيت زوجة وأطفالاً هم في انتظار عودته وعلى وجهه لون التعب والسغب، ينتظرونه بعتب الغياب الجميل والذهاب لخدمة وطن جميل أصيل، ينتظرونه ليحكي لهم قصة اليوم الطويل، والتعب الجميل والشقاء بلا تأويل سوى تأدية فرض من فروض الواجب لوطن لا يبخل في سخائه وعطائه الجزيل· شرطي المرور هذا تنحني له الرؤوس وتخشع له القلوب وهو يقف متحدياً متمادياً في عطائه متمترساً في ساحة الشرف الرفيع، مخضباً بالعرق، مدوراً وجهه الأسمر بابتسامة الصدق بلا تأفف أو تذمر· شرطي المرور معلمنا دروس الوفاء، ملقننا مواعظ الأوفياء وهو الحافظ الحفيظ بعد الله، المحفظ لنا تراتيل السير بلا شقاء أو افتراء أو التمادي في السرعة الحمقاء· شرطي المرور يكتب لنا على الطريق في كل يوم عبارة لا تسرع، فالموت أسرع، فتمهلوا وسيروا على الأرض هوناً، ولا تفقدوا أرواحكم هباء، فإن الوطن بحاجة إلى كل نَفْس ونَفَسْ، فتنفسوا الهواء بلا عناء، وتمتعوا بجمال بلادكم وخيرها وبذلها· شرطي المرور هذا تاج رؤوسنا، والعقال الذي يطوق جباهنا·· حفظ الله بلادنا وأيد بنصره المخلصين من أبنائنا·