نتحدث عن الوحوش، ونصفها بأعتى الأوصاف، وعندما نغضب من إنسان نقول عنه إنه متوحش لأننا لا نحب الوحوش ونكرهها، لأن لها أنياباً حادة ومخالب أشد فتكاً من السكاكين وقلوباً حجرية غادرة ماهرة في الاصطياد والانقضاض· نقول عن الوحوش ما نقول ونسرد القصص والحكايات ونورثها لصغارنا، فيحلمون بالكوابيس المفزعة ويفزون من النوم كالطيور المرعوبة من هجمة ضارية ، نوصي الصغار ونحذرهم من الاقتراب من أي كاسر شاهر سلاح الموت· ونحن نجدل خصائل المفاهيم ونعمل عمل المشعوذين نخلط حابل الأفكار بنابل الأطوار نعجن ونسحن جريد الأهواء ، ونعرش عند صحراء خاوية، ونعتقد أننا قيدنا الحقيقة بأنمل اليد وحققنا ما لم يحققه سقراط وتلامذته·· نحن البشر، لا نبقي ولا نذر ولا نترك سائبة ولا خائبة على رمل أو حجر· نسقي عروق معرفتنا الخاوية، بملح نعتقده ماء المطر، ولا نصحو من غفلة، إلا بعد كدر، يوم لا ينفع الحذر· نحن نفعل ذلك هاربين من حقيقة أن الحيوان أكثر رقياً وشفافية من الإنسان، الحيوان لا يملك رصيداً في بنك ولا حلماً لغد، الحيوان يأكل ليشبع والإنسان يأكل ولا يشبع، بين ظهرانينا أناس، متوحشون، متوشحون مفترسون قابضون على جمرة اللهاث كالمصابين بالصرع، زائفون، دائماً موبوؤون بالفزع، لا تمنعهم غاشية من جزع، ولا تصدهم قارعة من هلع·· هم وحوش متمرسون مهووسون محترسون إلى حد النزع·· بين ظهرانينا أناس يمارسون الحياة بطريقة الغاية تبرر الوسيلة والحيلة خير فضيلة والرذيلة، حومة جليلة، ساعة الافتراء على القيم الأصيلة·· بين ظهرانينا بشر رهنوا القلوب في قاع حجر، وساروا، الدروب، محتالين مختالين يغتالون السجايا والمزايا في الحياة· بين ظهرانينا أناس منكبون مرابطون على صناعة الوهم وصياغة الكلم، بعقد من سلاسل رجم، يرجمون ويرجمون لا يرحمون ثم يهتفون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم·· بين ظهرانينا، أناس، ظلموا الوحوش كثيراً، إذ استعمروا غاباتها، وسطوا على مخالبها، واستولوا على أنيابها، فصارت كحملان وديعة، إذ نقارنها بوحشية إنسان يهتك ويفتك، ويمحق، ويسحق وتسقط الضحايا في طريقه ويقول اللهم زد وبارك، ويضحك ساخراً ساخطاً من الضعفاء، الذين يقعون فرائس قائلاً: القانون لا يحمي المغفلين·· بين ظهرانينا أناس يفترسون ويتلمظون فخراً ويفتلون الشوارب اعتزازاً ويمسدون اللحى استكباراً ويمشون على الأرض بلا هون وينفخون في الفراغ، كأنهم نافخ الكير·· بين ظهرانينا، أناس، تورموا وتبرموا وتضخموا، حتى ملأوا الفراغ حملاً كاذباً· بين ظهرانينا أناس، في التجارة يفترون، وفي أداء العمل ''يجورون'' وفي علاقتهم مع الآخر يضمرون، فهم أناس متضورون هم وحوش آدمية، خيارهم في الحياة واحد·· الأخذ بلا عطاء·