أجريت حواراً ذات يوم مع الفرنسي ميتسو الذي رحل عنا قبل سنتين، سألته عن تجربته مع السنغال وأذكر يومها أنه تنهد ليصف كم أحب العمل هناك، وقال إن الناس في أفريقيا في أيام المباريات يبدون كأنهم ذاهبون إلى مهرجان احتفالي فتجدهم يرقصون ويتفاعلون مع الحدث بصورة خيالية.
لم أدرك حينها ما كان يرمي إليه ميتسو لأنني لم أعش التجربة ولم أشاهدها بأم عيني، ولكن ما رأيته خلال اليومين الماضيين في جوهانسبرج جعلني أتذكر كلمات ميتسو، ولعلها من المرات القليلة التي أصدق فيها ما قاله ذلك الفرنسي.
بينما كنت مستقلاً سيارة الأجرة توقفت حركة السير بشكل مفاجئ، وكان الأمر غريباً، ليس لأن المدينة لا تحدث فيها اختناقات مرورية، بل لأن الوقت لم يكن مما يصفونه بساعات الذروة، استمرت السيارة بالسير ببطء من دون أن يجد السائق أي تبرير يكفي لتبديد حيرتي وعلامات الاستفهام التي ارتسمت على وجهي.
ومع كل مسافة نقطعها كنا نرى أناساً يركنون سياراتهم على حافة الطريق ويترجلون والعامل المشترك الذي كان يجمعهم هو الزي الموحد مع أن كل شخص منهم كان يحاول الابتكار في زيه قدر ما استطاع، لم أتمكن من مقاومة الفضول فترجلت بدوري لعلني أدرك ما وراء أولئك البشر حيث يبدون كما لو كانوا يتجهون إلى مكان واحد.
قطعت المسافة سيراً على الأقدام وهي في جميع الأحوال أسرع من السيارة التي كانت تسير ببطء السلحفاة، وبعد مسافة قصيرة كان المنظر المدهش، جموع بشرية حاشدة جاءت لكي تعلن انطلاق بطولة كأس العالم في القارة الأفريقية قبل افتتاحها بشكل رسمي، يرقصون ويغنون ويهللون ويحتفلون.
رأيت كيف يعيش الأفارقة أجواء الاحتفال وكيف يحولون أحداثهم الكبيرة إلى مناسبات ينسون فيها همومهم اليومية ويغوصون في عوالم أخرى لا نعرفها نحن الذين أعتدنا على العيش “ببرستيج” خاص بنا.
لم يدهشوني أنا فقط بل أدهشوا الجميع من السياح وضيوف البطولة وحتى بلاتر نفسه أشاد بهم خلال افتتاح كونجرس الفيفا أمام رئيس دولتهم زوما، عندها فقط عرفت أن الفرنسي ميتسو كان يصدق في بعض الأحيان.
اليوم تنطلق البطولة ويبدأ المنتخب المضيف مشواره فماذا لو فاز في مباراته الأولى؟ كيف سيكون الوضع ودعوني أعتقد أن جوهانسبرج ستسهر حتى الصباح وكذلك جميع المدن الأخرى في احتفالات وأفراح حقيقية وليست مصطنعة، فهم لا يستعملون أبواق السيارات ولا يحرقون الإطارات ولكن تحركهم أحاسيس نابعة من القلب ومصدرها الذات.



جوهانسبرج
ralzaabi@hotmail.com