الساعة بمليار درهم (2)
لو تصورنا أن في كل دائرة من دوائر العمل في بلداننا يوما لاختصاصي نفسي، وأعد هذا المذكور دراسة بحثية تقوم على فحص الحالات النفسية لدى الموظفين سنكتشف أن أغلب الموظفين يعانون من ''فوبيا العمل''·· لماذا؟
التوظيف العشوائي، وإلحاق الموظف بالعمل بناء على مزاج مسؤول دون احتساب لقدرات وإمكانات ورغبات الموظف يفرز حالات مرضية ويرفع أعداد الموظفين الذين يعيشون البطالة المقنعة ويتلبسون الحالة ويمارسونها بشكل يومي·· الموظف الذي لا يجد نفسه في المكان الذي يعمل به، يعيش فراغاً واسعاً ويشعر بمساحة شاسعة تفصله عن المكان الذي يحتله، هذه المساحة تصبح جمراً وشوكاً لا تهيئ للموظف إلا أجواء من القلق والاضطراب والارتباك والشعور بالظلم أحياناً وأحياناً أخرى يختلق هذا الموظف إحساسه بالظلم فيهمز ويلمز ويقمز ويلكز المكان الذي يشغله لأنه لا يحبه ويخاف من الفشل·
في بلداننا والحمد لله توجد حشود وجيوش من البشر تمتلئ بها المؤسسات وجهات العمل، هذه الجحافل من الموظفين تأتي وتذهب، تداوم وتقاوم وتساوم وتداهم الوقت على أنها كائنات موجودة ولا فكاك من وجودها لكنها على قناعة أنها توجد فقط لملء الفراغ وسد الحاجة·
في بلداننا حشود تزاحم وتراكم وتشيع جواً من الاضطراب والاحتراب في مكان العمل لكنها في النهاية ليست إلا عجلات معطوبة مثقوبة مسلوبة لا تضيف إلى مكان عملها غير العرقلة والبلبلة والجلجلة، حشود أشبه بالفلول التي تصادم بعضها دون جدوى أو فحوى أو عطاء في العمل·
في البلدان المتطورة الفرد يتعب ويشقى على نفسه وتنمية مهاراته وتشذيب قدراته والجهات المسؤولة تقوم على توفير كافة السبل لإفراز كوادر عمل قادرة على النهوض والإبداع وإضافة الجديد إلى جهات العمل·· أما في البلدان المتخلفة، فالموظف ليس إلا رقماً محسوباً على جهة العمل ومنضماً إلى مجموع الأرقام التي تشكل طابوراً كسولاً بائساً، لا يقدم بل يؤخر·
في البلدان المتطورة الموظف يلحق بجهة العمل بناء على دراسة علمية ونفسية فاحصة ماحصة شاخصة تقيم الموظف وتضعه في مكانه المناسب دون مداراة أو محاباة أو مجاملة لحسبه ونسبه، أو علاقة بصاحب نفوذ·
في البلدان المتطورة يسأل الموظف عن رصيده العلمي ومستواه الثقافي، وفي بلداننا يسأل عن علاقاته و''كشخاته'' ونوع الملابس التي يرتديها وصنف العطور التي يفوح بها إضافة إلى بعض التوصيات التي يحملها في جعبته من هذا وذاك·
لهذه الأسباب فإن البلدان المتخلفة ستظل متخلفة ومتعرجة وتعاني من الذل والهوان وضعف الحال وصفصفة المال وستبقى الأمور على ما هي عليها إلى أن يفتح الله على الناس ويرفع عنهم غيبوبة التفكير وضيق الأفق والتدبير، لهذه الأسباب سيظل المتخلفون متخلفين يلعقون بقايا ما تلقمهم أيادي الحضارات الأخرى وسيبقون هكذا في انتظار الذي لا يأتي ولا يبزغ ولا يشرق إلى أن تشرق العقول بالوعي وتنصع النفوس بحمية الخروج من وهن الاسترخاء والاتكاء على رصيف الكسل واللاعمل·