ذهب مدير المنطقة التعليمية إلى المدرسة في الصباح الباكر، ووقف وسط طابور المدرسة، وشاهد بعينيه هذه المعلمة التي تركض حتى تلحق بالطابور وتلك التي تجهد نفسها في صف سيارتها عندما سمعت دق الجرس، وثالثة جاءت بعد إغلاق باب المدرسة، ورابعة جاءت بعد ربع ساعة من بدء الطابور، وخامسة لم تعر الطابور اهتماماً فدخلت المدرسة تتثاءب وعلى أقرب كرسي جلست وكأن الأمر لايعنيها· طالع مدير المنطقة مديرة المدرسة التي لم يعرفها فلم يجدها، بحث عن المديرة هنا وهناك، وجاءته وكيلة المدرسة لتخبره بأن المديرة حليلها المسكينة مريضة ضربتها حمة وراقدة في البيت تابع الرجل جولته في المدرسة بعد انتهاء الطابور الصباحي ودخل عدداً من الصفوف الدراسية وناقش مع الطالبات عدداً من القضايا التربوية التي تهمهن في دراستهن وانصرف الرجل·
في نهاية الدوام أدار من مكتبه قرص الهاتف طالباً المدرسة وردت عليه إحدى الإداريات وسألها وين المديرة قالت حليلها مريضة وراقدة في البيت بعد يوم كرر مدير المنطقة طلب المدرسة للاطمئنان على المديرة فردت واحدة ثانية وقالت نفس العبارة، في نهاية اليوم كرر نفس السؤال فكانت واحدة ثالثة سألها كيف المديرة إجابته الله يتقبل منها طاعتها في العمرة أستاذ وضع سماعة الهاتف وقال: عمرة مقبولة، وانتظر مدير المنطقة من المديرة أن تبعث باجازة عن أيام العمرة المباركة التي قضتها في رحاب الله تتعبد وتستغفر الله وتنعم برحمته فلم تصل المنطقة اجازة منها عن تلك الأيام التي كانت فيها المديرة الفاضلة مربية الأجيال في العمرة وفي الوقت نفسه على ذمة العمل وراتبها ماشي عال العال·
استفسر مدير المنطقة من الشؤون الإدارية والشؤون التربوية وشؤون الأفراد وشؤون الدوام وشؤون الشردة من الدوام استفسر من كل هذه الإدارات المعنية وغير المعنية وفوجىء بأن المربية الفاضلة شدت الرحال للعمرة، ولم تطلب إجازة من الدوام، ولأن البعض يرى في الدوام بقرة حلوباً ومالا مستباحا فإن الدوام عندهم يستوي مع عدم الدوام وبالتالي لايهم إذا قام هذا البعض من الأخوة الورعين الذين تدمع عيونهم ليلا ونهارا مخافة من الله تعالى، وفي الوقت نفسه يأكلون أموال الدوام في بطونهم دون أن يشعر أحدهم بغصة في حلقه·
بعدما تأكد مدير المنطقة من أن المديرة الورعة كانت تبتهل إلى الله في العمرة وفي الوقت نفسه تتقاضى معاشها من التربية المسكينة عن أيام الدوام التي قضتها في عمرة رمضان وقف أمام عدد من الخيارات أحلاها مر، ومن هذه الخيارات التي يدرسها مدير المنطقة بعد عودة المحروسة من العمرة المباركة: أولا أن يشتري المدير باقة ورد ويذهب بها مهنئا المديرة في المدرسة بعد تكرمها بتجشم عناء الذهاب إلى مدرستها، ثانياً: رفع تقرير بغياب المديرة إلى وزارة التربية ولكن هذا السيناريو محكوم عليه بالفشل فالتربية صارت مرتعا لحالات كثيرة من الخلل الاداري الذي تصبح واقعة هذه المديرة راعية العمرة معه جنة مقارنة بحالات لموظفين لاتعرف التربية وجوههم منذ سنوات ويطالبون بالترقية بل والعلاوات التشجيعية على العمل والانتاج الذي لم يقوموا به، ثالثاً: أن يحيل المدير هذه المديرة إلى التحقيق، ولكن هنا لابد أن يحيل أيضاً عدداً من المربيات الفاضلات اللاتي تسترن على الواقعة، رابعاً: أن يأخذ المدير الأمر بروح رياضية وينسى الموضوع برمته· أما السيناريو الخامس وهو السيناريو الذي لم يتطرق إليه مدير المنطقة والذي يتضمن كلمتين هما عليه العوض·