مدن كثيرة حافظت على روحها الجميلة المزهرة والفرحة، منذ أن استفادت من دروس الماضي وضوضاء المدن المزعجة التي يقوم بها البعض بلبس نظارات سوداء، ويطلق زرافات الألم ويحجر على حرية الناس وأفكارهم المختلفة والمغايرة لذلك الفكر الذي يسعى أن يكون الناس جميعاً ذا لون واحد ورائحة واحدة وطول قامة متساوية، وكأنهم أعواد كبريت في علبة محددة العرض والارتفاع. مدن رفعت أشرعة الإبحار نحو الحرية الفكرية واحترام خصوصية البشر على مختلف ألوانهم ومشاربهم، تلك المدن مضت بعيداً في سيرها وجمالها وروعتها، بينما مدن ابتلت بنفر يريد أن يصبغ الناس بلون واحد وخط واحد في التفكير، تلك المدن انحدرت إلى هاوية الارتباك والفوضى والتخلف، وكثرت فيها الأمراض والأحزاب والآلام. مدن كانت جميلة بسماحتها وروعة أهلها وصفاء قلبهم، ولكن حلت فيها «بلاوي» الاختلاف والتمزق الفكري والحزبي، فارتدت إلى مدن طاردة ومخيفة ولا يحب أحد أن يشد الرحال إليها، بل إنها كانت طاردة حتى لناسها وأهلها، وما مر على لبنان الحبيب في حروبه الماضية، وتحول بيروت الجميلة إلى وجه كثير الندوب، وتحطيم الروح الجميلة في بعض ناسه، وتحويلهم إلى أحزاب وفرق وملل، كلها أمثلة حية للتناقض بين أهل البلد الواحد. بعد تلك الحروب، فإن من زار بيروت وشاهد منطقة الحمراء والمباني التي تحولت إلى غربال و(مشاخل) من كثرة الثقوب وإصابات القذائف الصاروخية، يصاب بحزن كبير وألم فظيع على حال مدينة وقتها كانت زهرة مدن الشـرق، وما زالت تلك المدينة لم تبرأ تماماً من جراحها. وهذا ما تؤكده التجارب، أن المدن التي يزرع فيها الخراب والضوضاء وتذهب عنها روح الحب والسلام والأمن، تظل زمناً طويلاً عليلة ومريضة، عالم اليوم يمضي سريعاً، وفي مدن الشرق العربي، تمضي بعض المدن نحو ذلك القدر السيئ، إلا من ملك الحكمة والوعي وسد ثغرات الخراب وبسط الحرية والأمن والسلام، عن طريق الحب والمودة والبناء والتعمير، وسد حاجة الناس من مسكن وعمل، وهذا ما يميز بلدنا الحبيب الذي يقود نهضة عمرانية وسكنية كبيرة، وتوفير فرص العمل لكل أبناء البلد، إنها بلد الحب والجمال والسلام، حيث يتصاعد عدد الزوار والوافدين إليها للسياحة أو العمل أو حتى الإقامة. تمضي الإمارات زاهية ومفرحة، فيما تسقط بعض المدن إثر التناحر وما زرعه البعض بين أزقتها وصفوف ناسها، بسبب ابتلائها بسوسة الخراب والفكر المتحجر الذي ينشد العودة إلى الماضي السحيق، بينما العالم يتغير سريعاً نحو الجديد الجميل. ??? كانت تسير على الشاطئ وتجمع القواقع ونجم البحر، امرأة في منتصف العمر، كل صباح تأتي لجمع القواقع والسير بهدوء وطمأنينة، لأنها في بلد الأمان والسلام. - جميل البحر في الصباح، من أي بلد أنت. - من هذا البلد الجميل الرائع. - محظوظ أنت، إنني أعشق هذا البلد وأقيم فيه منذ ثمانية عشر عاماً، لا أفارق الإمارات أبداً إلا في إجازات قصيرة عندما تقفل المدارس أبوابها ويحصل الأولاد على إجازاتهم الصيفية. أنا أحب الإمارات أكثر من بلدي الأصلي. نعم تمضي الإمارات بعيداً وبعض المدن يسكنه الجمود والبعض الآخر يأتيه الخراب الآن. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com