دوافع الكتابة
أعترف أنني في بداية الأمر كنت أتصور أن كتابتي التنويرية مسألة ضرورة فرضتها على عقلي تحولات الواقع السياسي الاجتماعي السلبية منذ مطلع السبعينيات،? ?فقد كنت أشعر بالخطر على قيم التنوير وميراثه الذي نشأت عليه،? ?واكتمل وعيي في إهابه،? ?فأصبحت أؤمن بالعقلانية والحرية والتسامح والدولة المدنية التي هي دولة الدستور والقانون والفصل بين السلطات،? ?ناهيك عن الديموقراطية والمواطنة التي هي لازمة لانعدام التمييز بين المواطنين في مجتمع حر مفتوح،? ?مجتمع تعمره ثقافة التنوع البشري الخلاق،? ?حيث لا تتناقض النزعة الوطنية مع النزعة في كوكب بشري،? ?تتجاوب أرجاؤه بفعل الثورة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات التي أحالت الكوكب الأرضي كله إلى قرية كونية صغيرة?. ?
وكان من الطبيعي أن أنتسب إلى معارضي السياسات الساداتية،? ?تلك السياسات التي جمعت بين إقامة سلام? ?غير عادل مع إسرائيل،? ?وابتداء مرحلة من التبعية الكاملة للولايات المتحدة الأب الروحي لإسرائيل?. ?وكان لابد أن أدفع الثمن ففصلت من جامعة القاهرة مع زملائي الجامعيين الذين طردهم السادات في قرارات سبتمبر الشهيرة سنة? 1981?. ?وقد تركت مصر للعمل أستاذا زائرا في جامعة استكوهولم،? ?وكنت قبلها أستاذا زائرا في جامعة وسكنسون،? ?وبدأت مرحلة الرحيل عن مصر التي انتهت مع نهاية الثمانينيات التي عدت فيها إلى الكتابة عن التنوير بقوة?. ?وكانت الاندفاعة القوية سنة? 9891، حيث احتفلنا بمرور مائة عام على ميلاد طه حسين وعباس العقاد،? ?تحت عنوان مائة عام من التنوير، وكان ذلك فى سياق تتابعت فيه كتب مثل? «?هوامش على دفتر التنوير?» 3991 ?و»أنوار العقل?» 9691، ?و»ضد التعصب?» ?0002، ?إلى آخر الكتب التي استمرت إلى اليوم?. ??
وكنت أتصور في البداية أن الكتابة في التنوير هي خارج نطاق النقد الأدبي بمعناه الضيق?. ?ولكني? ـ ?في تتابع فعل الممارسة? ـ ?انتقلت من هذا المعنى الضيق إلى معنى أرحب،? ?ساعدني عليه مفهوم إدوارد سعيد للناقد المدني الذي? ?يواجه الأصولية في كل أشكالها،? ?وينفتح بفعل المساءلة الخلاق ابتداء من نفسه،? ?وانتهاء بالعالم?. ?ومع معرفتي بأفكار التنوع البشري الخلاق تحولت ممارستي للنقد الأدبي إلى نوع من النقد الثقافي،? ?واضح في كتابي? «?نقد ثقافة التخلف?» 8002، ?وكتاب? «?الهوية الثقافية والنقد الأدبي?» 0102. ?ومع هذا الكتاب،? ?وأثناء كتابة مقالاته وبحوثه اكتشفت أن المسافة بين التنوير وممارسة النقد الأدبي قد اختفت?. ?ولذلك اخترت عنوان? «?الرواية والاستنارة?» ?لكتابي عن نشأة الرواية العربية من منظور جديد?. ?وقد صدر الكتاب سنة? 0102. ?وفيه التقى ما كنت أظنهما مجريين متوازيين، فإذا بهما مع الوقت مجرى واحد.
هل هذا الذي حدث نوع من التحول؟ بالقطع نعم?. ?فما? ?يدفعني إلى الكتابة الآن هو? ?غير ما كان? ?يدفعني إلى الكتابة عن? «?الصورة الفنية?» ?سنة 1974،? ?فقد تغيرت الرؤية النقدية،? ?واتسعت في تحولاتها،? ?لكنها لم تفقد قط الإيمان بالعقلانية والحرية والعدالة الاجتماعية والنزعة الإنسانية وكل ما أورثني إياه جيل طه حسين الذي أعتبر نفسي امتدادا متطورا له?.?