اختلاس
الإمارات خطت خطوات واسعة في مجال النهوض العمراني، فتزاحمت المشاريع وكبرت الصفقات التجارية، وتعاظم شأن البلاد في العمل العمراني والإنساني، بل إن بعض الإمارات بدأت من الصفر في تعمير وتنوير وتحضير خدمات البنية التحتية، وهذا ما جعل الإمارات تنفق الأموال الطائلة في سبيل النشوء والارتقاء في شتى ميادين الحياة، وفي كل ما يتعلق بالإنسان وما يوفر له الراحة والسعادة، ولكن وللأسف هناك بعض المسؤولين والموظفين الذين أنيطت بهم مسؤولية تحمل الأمانة يسيل لعابهم وتتفتح قرائحهم على خطط جهنمية مشينة ومسيئة للبلد، ومخيبة للآمال، فيضعون أيديهم على المال العام ويغتصبون حقاً ليس من حقهم الاقتراب منه ويغرفون من المال العام ليدسوه في جيوبهم، ويملأوا حقائبهم ويكتنزوا الذهب والفضة وحتى خشاش الأرض في أرصدتهم ولا يردعهم أي وازع ديني ولا أخلاقي من أن هذه الأموال التي ينهبونها هي مال الدولة ومال الناس ومال الأجيال الحاضرة والقادمة، وأنهم بهذه الأفعال المخالفة للقانون والعادات والقيم، يشوهون وجه الوطن كما يسودون وجوههم أمام الله وعباده ، هؤلاء الذين لم يستحوا، يفعلون ما يشاؤون ويبيعون ويشترون بدم الناس وعرقهم ويتاجرون بحقوق الوطن، ويخذلون من وثقوا بهم ووضعوا الأمانة بين أيديهم، وصنعوا منهم رجالاً ظناً منهم أنهم سيكونون أوفياء، نجباء، سمتهم العفة والنبل وخير الخصال وحسن التدبير والأفعال، لكن للأسف أن بعض النفوس المريضة يبدو أنها كالوحوش التي لا تروض، فمهما أطعمتها وأسقيتها تظل الفطرة هي الغالبة وتظل النفوس الخربة هي القانون السائد والمستبد والمتلبد كالغيوم الصيفية·
والإعلان عن هؤلاء الموظفين اللصوص يثير الفزع وينمي الجزع ويكثر من التشققات في النفس، ويضخم الخوف من المستقبل لأنه مهما تشددت القوانين وأحكمت قبضتها فإن أخلاق الناس لا تخضع لقانون بقدر ما هي وازع داخلي ورادع نفسي وكابح عقلي يضع الإنسان أمام خيارين، إما أن ينحرف وينجرف صوب سوء الفعل والعمل، أو أنه ينحاز باتجاه الصدق مع النفس والآخر والتفاني من أجل كبح جماح النفس الأمّارة·· ويبدو أن البعض قد تحرر من الكوابح وتخلص من الضمير، بل تركه وديعة مع الأرصدة التي يضخمها ويورمها من مال الغير· يبدو أن البعض سلك الطريق السهل والعصيب في آن، ليصبح ثرياً غنياً صاحباً للملايين والمليارات ونسي نفسه في خضم اللهوجة واللعوجة والهروب بالضمير نحو المهاوي والمهالك والظلام الحالك، يبدو أن البعض اعتبر المال العام مالاً لا صاحب له، هكذا سولت له نفسه بأن يخوض معركة الخيانة ببراعة ودهاء ولا يعرف أنه مهما ربح واحتال وتطاول فإن ما بُني على باطل فهو باطل وأن السير في الطريق الوعر يدمي أقدام من يسلكه، الأمر الذي يجعلنا نشد على يد كل من يلاحق ويسابق الزمن في القبض على الأيدي الملوثة، ويكشفها ويقودها إلى القضاء ليأخذ كل ذي حق حقه، ويجازى مقترف الأخطاء والزلات الجزاء الذي يستحقه· لا أحد فوق القانون مهما بلغ من قوة ومركز، لأن الوطن فوق الجميع وحقوق الناس لا يعلوها حق ولا شريعة ولا قانون·
إعلان الفجيرة عن القبض على موظف مختلس هو درس وهو إشارة حمراء يطلقها المسؤولون لكل من يفكر في أن يتجاوز حدود وظيفته ويمد يده على مال الوطن والناس·
حمى الله الإمارات من مختلس ومدلس، ومدنس ومفترس